قياساً على ما كتبه مصطفى صادق الرافعي في «وحي القلم» عن «الأيدي المتوضئة»، التي تبني المجتمع وترفع قواعد الفضائل، نكتب اليوم عن «الأنفس المقدسة الطاهرة» الكفيلة وحدها بتحرير أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين مسرى رسولنا الكريم محمد صلوات الله وسلامه عليه.
يقول «عماد الأصفهاني» مخاطباً صلاح الدين الأيوبي الذي استخلص بيت المقدس سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة للهجرة:
ومن قبل فتح القدسِ كُنتَ مقدّساً
فلا عدمت أخلاقُك الطُّهر والقُدسا
نزعت لباس الكُفر عن قدس أرضها
وألبَسْتَها الدّينَ الذي كشَفَ اللّبْسَا
وذلك من قصيدة من طِوال قصائد العِماد ضمنها فتح القدس وفلسطين ومدح السلطان صلاح الدين يقول فيها:
رأيتُ صلاحَ الدين أفضَلَ من غدا
وأشرفَ من أضحى وأكرم مَنْ أمسى
سجيّته الحُسنى وشيمته الرّضا
وبَطْشَته الكبرى وعِزّتُه القَعْسا
فلا عَدِمت أيامُنا من مَشْرِقاً
يُنيرُ بما يُولي ليالِيَنا الدُّمْسا
جنودُك أمْلاكُ السماءِ وظَنّهم
أعاديك جِنّاً في المعارِكِ أو إنْسا
سَحَبْتَ على الأُردن رُدْناً من القَنَا
رُدينيّة مُلْداً وخَطيّةً مُلْسا
***
وكان العماد الأصفهاني مَدَح من قَبْلُ نجم الدين أيوب والد السلطان صلاح الدين قائلاً من قصيدة طويلة:
موفّقُ الرأي ماضي العزم مرتفعْ
على الأعاجم مَجْداً والأعاريبِ
أحبّكَ اللهُ إذ لازمتَ نُصرَته
على جبينٍ بتاجِ المُلكِ معصوبِ
ويذكر ياقوت في الجزء التاسع عشر من «معجم الأدباء» عدّداً من مُصنّفات العماد الأصفهاني، أولهما كتابه: «خريدة القصر وجريدة العصر» الواقع في عَشْرِ مجلّدات والذي جمع فيه تراجم شعراء الشام والعراق ومصر والجزيرة والمغرب وفارس ممّن كان بعد المئة الخامسة (للهجرة) إلى ما بعد سنة سبعين وخمسمائة. ثم كتابه «الفيح القُسّي في الفتح القدسي».
***
والعماد الأصفهاني هو من دَبّج الكتاب الذي كتبه باسم المجاهد العظيم صلاح الدين الأيوبي إلى ديوان الخلافة في بغداد مُبشِراً بفتح بيت المقدس، وطرد المستعمرين الغزاة وطهّر ديار الإسلام من رِجسهم، وفيه يشيرُ إلى «فتح الفتوح» الذي كان من علائمه الحِسان أن «عُبِدَ الله في البيت المقدّس سِرّاً وجهرا، ومُلكت بلاد الأردن وفلسطين غوراً ونَجْداً، وبرّاً وبَحْراً، ومُلئت إسلاماً وقد كانت مُلئت كفرا».
***
لَقَدَ توافق الأصفهاني والرافعي، على اختلاف الزمان والمكان، على معنى واحد، حين ذهب الرافعي إلى أنه لا تبني المجتمع العفيّ إلا الأيدي الطاهرة، وحين ذهب الأصفهاني إلى أنه لا تحرّر المقدساتِ إلا أنفسٌ قدسيّة وعزائم إيمانيّة، فكان في توافقهما ما يبعث على التأمّل في واقعنا العربي الإسلامي المعاصر، وفي مسافة الخلف المنفسحة بين ما نحن فيه وما ينبغي أن يكون، وفيما يؤكده كُلّ ذلك من أنه لا يصلح أمر آخر هذه الأُمّة إلاّ بما صلح به أمر أوّلها.
***
أمامَك فأنظُرْ أيّ نهجيك تنهجُ
طريقان شتّى: مستقيم وأعوَج.
الرأي