الربابة .. «موت بالتقسيط»
فارس الحباشنة
20-06-2017 09:21 PM
«الربابة « أن خرجت من الصحراء ماتت، والربابة تقف اليوم أمام مفترق طرق فاصل ما بين البقاء
المتردد ومقاومة الاندثار. ثمة ما يستدعي التوقف للسؤال عن مستقبل «الربابة « بحفاوة لكي لا نحتفل يوما حزينين باعلان موتها واندثارها، أو أن نراها معلقة في صدر المجالس ولا نعثر على من يجيد العزف على سواكن اوتارها.
«الربابة « كما عرفناها في البادية والارياف، وفي بيوت الشعر وبين البدو الرحل، الة موسيقية ناقلة لحزن البدوي الساكن على حواف انتظار المجهول، ناقلة لقلقه وبؤسه ويأسه المحفوف بالامل وشجن روحه المتلازم مع الصحراء بكل انقلاباتها.
قبل الكلمة واللحن، فان الربابة رمز للحرية، فبين خيوط صوتها الموسيقي مشاعر لتجوال الحرية ما بين مجاهيل الصحراء، حس انساني يلهث وراء قوة عظيمة وجبارة، ولذا ترى صوت الربابة الموسيقي دائما مخلوطا بطول النفس والامل. هذا هو سر الربابة والصحراء، وما قد تقودك اليه عند سماعها، وهذا هو سرها مع جمهورها، كلما
ضاقت النفوس بان السماع اليها يعد مريحا يصحبك الى نشوة او تقودك اليها، ولا اتخيل أن هناك الة موسيقية يمكن أن تأسر خيالك كما هي الربابة، بقوتها البسيطة فلديها من القدرة على هز ما هو خامل وتحريك اشجان انسانية متجمدة.
استمعنا الى امير الربابة عبده موسى، ولربما ما زالت متعة الاستماع الى اغاني عبدة موسى وتوفيق النمري متلصقة في الوجدان وهي المتعة الفنية الوحيدة، واصبحت احيانا مخلصا للعالم السعيد، وهذا حال كثيرين ممن عايشوا وعاصروا فناني» الربابة « وحراس الاغنية الشعبية الاردنية.
عبده موسى اسطورة فنية اردنية، هو اسطورة بمعنى مختلف عما كان يمثله فنانون اخرون، فهو اخر خيط في الفن التراثي والشعبي، ولربما أن اسطورية عبده موسى بانشغاله على صناعة مكانة موسيقية متقدمة ومتميزة لا يزال يشار اليها بالبنان وعالقة في الوجدان.
جمهور الربابة المخلص ارتبطت مسامعه بـ»عبده موسى»، فالاخير ترك ميراثا من موسيقى والكلمات ما زالت تتردد على الالسنة والناس يهيمون وراء سماعها، جمهور الربابة يواجه الانكماش، وحتى في حواضنها التقليدية، ولربما أنه فساد وتلوث اصاب ذائقة الاردنيين، وهي حقيقة جيل «بعيد كل البعد «عن الهوية الثقافية والفنية المحلية.
صراع الربابة اليوم المتارجح ما بين الموت والبقاء المتردد والخجول، هي علامات هذه المرحلة الفارقة بمؤشراتها الفكرية والثقافية، في حين ما زالت مصانع القيم تتصارع على هوية الاردن ما بين القديم « التقليدي العريق « والجديد المنتصر بقوة الانجرار وراء الاستنساخ والتقليدي، والتي تعمل بغلبة التبعية دون احترام للخصوصية والهوية المحلية.
ومن يتابع المشهد الموسيقي الاردني، يتخوف حتما على مستقبل «الربابة «، ويتخوف على مصادرتها طواعيا وقسريا من لوائح الالات الموسيقية، بتأثير تيارات بيروقراطية واكاديمية موسيقية ساخطة لا تعترف بالربابة ولا تدرجها على قائمة الالات الموسيقية التي تدرس في الجامعات وكليات الفنون والموسيقى، وتمارس ضد الربابة وفنانيها عقابا استثائيا بالنفي والتجاهل والاقصاء، وهو ما يختزل ماسأة غربة الفن الشعبي الاردني، وبتفاصيل مشابهة جحيم الهوية الوطنية سياسيا وثقافيا وفنيا.
الدستور