الوقوف دقيقة صمت .. ليس للأحياء
مالك نصراوين
21-12-2008 02:13 PM
حدث غريب شهده مجلس النواب امس ، عندما طلب النائب الثاني لرئيس المجلس من الأعضاء والحضور ، الوقوف دقيقة صمت "اجلالا واكبارا" للصحفي العراقي منتظر الزيدي ، الذي ألقى بفردتي حذائه على رئيس اكبر دولة في العالم ، خلال مؤتمر صحفي مشترك للرئيس بوش مع رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي في بغداد قبل ايام .
الغرابة في هذا الحدث ، اننا اعتدنا في الوطن العربي ، على الوقوف دقيقة صمت في كل المناسبات الوطنية والقومية ، وبالاخص اثناء المهرجانات الخطابية ، وذلك اكراما واجلالا لأرواح الشهداء ، الذين سقطوا دفاعا عن الكرامة العربية ، وفي مواجهة الأعداء ، او اكراما لقادة بارزين او شخصيات عامة انتقلت الى رحمة الله تعالى ، وتركت بصمات واضحة وانجازات عظيمة للوطن ، وكان هذا الثقليد الاكثر اتباعا في سوريا حتى الان ، وفي مصر في عهد الرئيس جمال عبد الناصر ، واصبح الان مع نهوض الحركات الاسلامية في الوطن العربي ، يستعاظ عنه بالوقوف لقراءة الفاتحة ، وفيما لو طلب احدهم في مناسبة ما ، الوقوف دقيقة صمت ، كان البعض يقوم خلالها بقراءة الفاتحة .
اما الوقوف دقيقة صمت لأسباب اخرى ، كحادثة رمي الصحفي العراقي الشاب لحذائه على الرئيس الامريكي ، فانا شخصيا لم اسمع بمثيل لهذا الحدث ، وكان يمكن للأمر ان يكون أكثر معقولية ، لو اقتصر على كلمات الاشادة بهذا العمل ، الذي اكتسب شهرة شعبية في الوطن العربي ، وربما بين شعوب اخرى في العالم عانت من القهر الأمريكي .
لقد تسببت بادرة السيد النائب الثاني لرئيس مجلس النواب ، والتي يخيل لي انها جاءت خلال ثوان ونفذت خلال اقل من دقيقة ، بارباك للمسؤولين الرسميين ، ومنهم وزراء ، وحتى لرئيس مجلس النواب نفسه ، الذي يعتبر شخصية سياسية اردنية معروفة ، حتى قبل ان يصبح رئيسا لمجلس النواب ، فلم يكن هناك مجال لمجرد التفكير ، عندما يقف الحضور خلال لحظات ليلحقهم آخرين ، وخاصة انه جرت العادة ان تكون دقيقة الصمت اقل فعليا من دقيقة .
حادثة رمي الرئيس الأمريكي بالحذاء ، اكتسبت شعبية في الوطن العربي ، بسبب العنجهية الامريكية ، وما عانى منه العراق بسبب الاحتلال الامريكي ، وما عانى منه الشعب العربي الفلسطيني بسبب الدعم الامريكي لاسرائيل ، ولكن ذلك كله لم يكن سببا لاعتبار الولايات المتحدة عدوة للعرب ، فهي شعبيا مهوى الأفئدة ، والكثيرون يحلمون بالهجرة اليها ، والحصول على جنسيتها ، لا بل ان كثيرا من القوى الشعبية التي تجاهر بالعداء لأمريكا وتلعنها صباحا ومساءا ، ترسل ابنائها للدراسة في جامعاتها ، وتعتبر الشعب الانريكي شعبا صديقا، وتعترض فقط على سياسة قادتها ، وهي رسميا دولة صديقة ترتبط مع الاردن بعلاقات صداقة تقوم على الاحترام المتبادل ، ويرتبط مسؤوليها ومنهم الرئيس بوش نفسه ، بعلاقات جيدة مع قادة الكثير من الدول العربية ، وعلى رأسهم جلالة الملك ، والعديد من زعماء اطراف الصراع العربي الاسرائيلي ، وما كان يجوز ايقاع مسؤولين رسميين بمثل هذه المصيدة ، التي ربما تكون لها تأثيرات دبلوماسية مسيئة للعلاقات بين الولايات المتحدة والاردن ، خاصة ونحن نتذكر ما حدث قبل سنوات من أزمة في العلاقات البرلمانية بين الكويت والاردن ، اثر كلمات التأبين الي شهدها مجلس النواب الاردني للرئيس العراقي الراحل صدام حسين .
الصحفي العراقي الذي قام بهذا العمل الجريءوالبطولي بالمفهوم الشعبي ، لم تتأكد حقيقة شخصيته تماما ، ففي البداية قيل انه من انصار التيار الصدري ، ثم قيل انه يساري شيوعي ، وقد يقال مستقبلا انه مختل عقليا ، فان ثبت ذلك مستقبلا "لاسمح الله" ، او طرأ أي تغيير سلبي على شخصيته ومواقفه ، خاصة انه ما يزال حيا يرزق ، فماذ يكون موقف من وقفوا دقيقة "اجلال واكبار" له ؟
m_nasrawin@yahoo.com