عندما نتغرب أياما معدودة لحضور مؤتمرات والمشاركة بها، لا ندري ما هي القوى التي تجذبنا لبعض في أول دقائق التعارف... هل هي لون البشرة، أم اللغة أم الثقافة الواحدة المشتركة. ففي معظم المؤتمرات التي شاركت بها تكون هناك جنسيات من دول متعددة... وفي جميعها ينجذب المشاركون من الدول العربية لبعض دون تخطيط أو ترتيب، وأول سؤال نوجهه يكون: من أي بلد حضرتك؟
هكذا حال غالبيتنا كما أكد لي بعض الأصدقاء الذين هم أيضاً يسافرون بشكل متكرر لحضور مؤتمرات دولية خارج الوطن. والحدث نفسه تكرر معي. فترانا قد نختلف بالرأي داخل القاعات وخلال المناقشات في المؤتمر، أو نتعارض في الآراء وقد يحتد النقاش فيما بيننا، لكن سريعاً ما ينقلب هذا الاحتداد والتصلب بالرأي الى صداقة في استراحة القهوة التي لا تتعدى العشر دقائق لأننا نستمر بالحديث عما جرى داخل القاعة لكن بروح الدعابة واحترام فكر الاخر. والأمر لا يتوقف هنا، أحيانا نقرر بأن نتجمع بعد نهار طويل من النقاش لنستكشف المدينة الجديدة كمجموعة كبيرة عربية -ولغير العرب لهم معنا مكان ايضاً. وهذا ما يحدث !
فتأملت هذا الأمر المتكرر ورأيت فيه ظاهرة غريبة وفيها جمالية تستحق الوقوف عندها. وقفت بين التأمل والتألم، فرأيت أن الجوامع العربية المشتركة لا تزال حية، وهي التي تجذبنا من الأساس، وأن الشعوب العربية بالإجمال متحابة حتى لو كانت سياسياً مختلفة شيئا ما؛ عند الحوار نركز على الجوامع ونناقش الفوارق فنحن لسنا في صدد الحرب على بَعضُنَا. ما حصل بأننا التقينا وقررنا أن نتصاحب ونتجمع دون تخطيط. فنحن من تربينا في صغرنا على مصطلحات وحّدتنا في مكبرنا... "القومية العربية" على رأسها. وغنَّينا "بلاد العرب أوطاني" و لعبنا في مسرحياتنا أدوار البلاد العربية!
نحن من يمثل بلده في المؤتمرات الأجنبية ونعكس صورة الأردن بأبهى -أو على الأقل معظم من عاينتهم.
لا أزال أومن بعروبيتي ولا يزال عندي أمل بشفاء القومية العربية النازفة. الشعوب متحابة، السياسات متغيرة، والواقع يبقى بأننا جميعاً نريد السلام ونريد العيش الهانئ لنا ولأولادنا من بعدنا ... فلنسعَ للسلام أفراداً وسياسات.
rulasamain@gmail.com