شخصياً لم ألمحه ولم أسمع صوته يوماً طيلة حياتي، وأعتقد ان الكثيرين مثلي، فلم نشاهد هذه الشخصية الخيالية على أرض الواقع لا في طفولتنا ولا عند رشدنا وإنما تعرّفنا عليه في المسلسلات الشامية القديمة فقط .. كنّا نتخيّله يمسك طبلاً ويشدو بعباراته المعروفة «اصحي يا نايم وحّد الدايم رمضان كريم».. يلف بين البيوت فتضاء الشرفات تباعاً .. هذا مشهد بصري درامي لا أكثر ..
في قريتنا المنبّهات الحديدية القديمة هي التي كانت ترن وقت السحور، وذات مرّة تبرع أحد سكان الحي بالضرب على عمود الإنارة القريب بقضيب معدني ليصحو الجيران، ففتحوا شبابيكهم وأشبعوه «شتماً» لأنه قام بهذه المهمّة التطوعية المزعجة!...
سؤالي ماذا يا ترى لو أن المسحّراتي ما زال موجوداً.. ماذا سيكون شعوره وهو يمسك طبلاً ويلف بين البيوت ليوقظ أناساً لم يغفوا أصلا .. فالمقاهي عامرة وزبائنها يتوافدون بعد منتصف الليل ، المطاعم ممتلئة تماماً بالرواد ، الشوارع مزدحمة ، الإشارات الضوئية مكتظة، الأطفال في الحدائق حتى مطلع الفجر ، العائلات في البيوت تتسامر حتى يظهر الخيط الأبيض من الخيط الأسود.. فما أهمية طبلته وتعب رجليه إذن فالناس لم تنم حتى تصحو.. وعليه فهو أمام خيارين إما أن يغير طبيعة النداء فيأمر الناس بالنوم ليصبح «يا قايم ليش ما أنت نايم».. أو أن تنقلب الآية فيقوم الناس بإيقاظ المسحراتي المسكين الذي ينام بعد صلاة العشاء...
مهن كثيرة ذابت مع الوقت لقلة الطلب عليها او لانتهاء عصرها وتطوّر الحياة مثل ساعي البريد ، ومصلح التلفونات الأرضية ، ومصلح بوابير الكاز، والدومري وغيرها وأعتقد ان المسحراتي الذي ظل يعتقد أنه اليقظ الوحيد في حي النيام هو الآخر في طريقه إلى الانقراض حتى من الذاكرة..
أرى أننا بأمس الحاجة إلى مسحراتي دولي ، أكثر منه إلى مسحراتي حاراتي، مسحّراتي يصحّي الأنظمة النائمة أن تستيقظ فوراً ، لتأخذ جرعة وعي وتتقوّى قبل أن يدركها الوقت ويقتلها ظمأ الضعف ، نحن بحاجة الى طبل المسحّراتي يطرق عالياً قبل أن تلقفه طبول الحروب.. بحاجة الى نداء «وحّد.. وحّد.. وحّد « لأن في التفرق خوار وانقسام.. بحاجة إلى مسحّراتي دولي لا يبرح منطقتنا حتى نستيقظ جميعاً... أيها الوطن العربي الكبير..اصح قبل ان يصادر الطبل وتكسر العصا.
الرأي