لغة العصر: التواصل الاجتماعي
أ.د.محمد طالب عبيدات
18-06-2017 05:03 AM
في زمن الألفية الثالثة باتت لغة التواصل الاجتماعي كلغة العصر، إذ أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي كالفيس بوك والوآتساب والتويتر والانستغرام واللينكدان وغيرها تشكّل عالماً افتراضياً ألغى الحواجز الانسانية والجغرافية والزمنية وغيرها بين الناس، وباتت هذه الوسائل تشكّل الرأي العام الاجتماعي والسياسي وتبادل المعلومة والفكر والاتجاه ومساحاتها من الحريّة لا سقف لها، وكأنها هايدبارك العالم الافتراضي والفضاء المفتوح، ولم تعد وسائل التواصل الاجتماعي ترفاً أو ترفيهاً بل ضرورة وواقعاً افتراضياً يُحرّك العالم، ففي الجزء المليء من الكأس تُثري الحوار والتبادل والتواصل الاجتماعي وأدوات التشبيك، لكنها بالمقابل في جزئها الفارغ من الكأس تبثّ الفتن والسموم ودعوات تهديد الأمن والاستقرار والاشاعة والأخبار المفبركة والعبث في الوحدة الوطنية وأفكار التطرّف والغلو ودعوات ورسائل المنظمات الارهابية وغيرها.
فالحقائق تقول أن أكثر من 80% من المجتمع يستخدم وسائل التواصل الاجتماعي جُلّهم من الشباب، وبالتالي وكنتيجة لامتلاك معظم الناس الهواتف الذكية هذه الأيام، فان وسائل التواصل الاجتماعي باتت الوسيلة الأسرع والأنجع والأكثر انتشاراً، ولهذا فاستغلالها لغايات مكافحة الارهاب والتطرّف يأتي في وقته هذه الأيام، والحقائق تقول أن ثلاثة أرباع مستخدمي شبكة الانترنت من الشباب يقعون ضحايا ابتزازات الشبكة، ولهذا فتبصيرهم وفق برامج مدروسة وتوجيهية واجب وطني، والحقائق تقول إن الفضاء الالكتروني مفتوح وبيئته خصبة لا يمكن ضبطه أو مراقبته أو السيطرة عليه، وأصبح يشكّل تحدياً كبيراً لكثير من الدول، ولهذا فلا بدّ من توجيه الحوار فيه، والحقائق تقول إن الجماعات الارهابية جُلّها من الشباب ويتم التواصل معهم من خلال وسائل التواصل الاجتماعي لاظهار البطولة والانجازات والدين وفرص العمل والفروسية والأخلاق وغيرها عند الالتحاق بهم، ولهذا فوجود أساليب وقائية واقناعية ضرورة ملحة، والحقائق تقول أن الحروب الاعلامية والالكترونية تطفو على السطح في مقدمات ونهايات حروب الألفية الثالثة من خلال بث رسائل الترويع الالكتروني، ولهذا فالشباب بحاجة ماسة لصوت الحكمة والعقل، والحقائق تقول أن التنظيمات الارهابية المتطرّفة والمتشددة تستغل وسائل التواصل الاجتماعي لنشر سمومها وأيدولوجياتها وأفكارها الظلامية والهدّامة وصور الترويع والعنف والخوف والكراهية والتطرّف وايصال رسائلهم الجاذبة أو المنفّرة أو المُبتزة للشباب وغيرهم، ولهذا فحضور الرسائل الاعلامية الرسمية والشعبية المعتدلة شيء ضروري، والحقائق تقول إن سموم الارهابيين تبدأ بهاشتاق عاطفي وبعدها ابتزازي ومن ثم تغوّل في الاستغلال والاغراق والتوريط والتجنيد والمشاركة، ولهذا فالحذر واجب.
وهنالك تأكيدات متكررة على لسان جلالة الملك المعزز عبدالله الثاني بن الحسين حفظه الله تعالى بأن الأردن مستمر وملتزم، الى جانب مختلف الأطراف ضمن التحالف الدولي، في جهوده لمواجهة التنظيمات الارهابية ومكافحة الفكر المتطرف، الذي يشكل تهديداً رئيسياً لأمن واستقرار المنطقة، ويستهدف الجميع دون استثناء، واحدى وسائل محاربة التطرف والارهاب تكون من خلال استغلال وسائل التواصل الاجتماعي على كل المديات وفي المحاور الفكرية والاجتماعية والاعلامية والسياسية من خلال ايجاد استراتيجية تشاركية عصرية بين المؤسسات الرسمية والأهلية ومنظمات المجتمع المدني لغايات استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لمواجهة الفكر المتطرّف بالفكر الوسطي والمعتدل، وتعنى الاستراتيجية بالأمن الفكري ومعركة الكلمة للشباب، وتؤكّد على ايجاد شبكة دولية لمحاربة الارهاب والتطرّف وذلك من خلال تشاركية وتضافر جهود المؤسسات الرسمية والشعبية، وتحصين الشباب من خلال منظومة الأمن الفكري الاجتماعي دون وصاية أو مراقبة، وتحويل وسائل التواصل الاجتماعي لأدوات فاعلة ووسائل لمواجهة الفكر المتطرّف، ومتابعة البوستات الشخصية والتي تعكس الحالة الفعلية للأشخاص، والمواقع التي تكشف مكان الشخص حال استخدامه الخلويات الذكية، وايجاد منهجية لقراءة أفكار الآخرين من خلال طروحاتهم وتصنيف الأشخاص ضمن مجموعات وفق اهتماماتهم، ونشر قيم المحبة والسلام والتسامح واحترام الآخر والحرية المسؤولة وغيرها، واستخدام أدوات التواصل الاجتماعي كأدوات لتعزيز أدبيات لغة الحوار بين الشباب، والتشبيك الشبابي للتواصل المجتمعي والوطني، وبمشاركة الأحزاب والجامعات والمراكز الشبابية ومنظمات المجتمع المدني، ونشر ثقافة الفكر التوعوي والوقائي والتنويري والتربية المدنية بين الشباب، واعتماد وسائل التواصل الاجتماعي لمخاطبة عقول الشباب واعتماد التحليل والحجة والاقناع والحوار والمقاربة الموضوعية لتفهّم الآخر والاتصات له، وتوظيف الطاقات الشبابية وتدريبهم وتأهيلهم للمساهمة في درء الفكر المتطرّف، وحماية الشباب وتبصيرهم برسائل اعلامية ضد خزعبلات حملات الخداع والتضليل والأفكار التكفيرية والمتطرّفة والاشاعة ودعوات القتل والخراب والتضليل والنهب والسلب والفوضى وغيرها، وتطبيق القرارات الدولية لمكافحة الارهاب من حيث مسؤولية الدول تجاهها، وهي تحديداً قرارات مجلس الأمن الخاصة بمكافحة الارهاب واستراتيجية الأمم المتحدة العالمية وقرارات التحريض ضد العنف والارهاب والتمييز والتعصّب وغيرها، والتأكيد على أن أنظمة مكافحة الجرائم المعلوماتية تحضر انشاء مواقع الكترونية لمنظمات ارهابية، وأن تنشط المؤسسات الرسمية والشعبية في ايجاد وسائل تشبيكية بين الشباب على صفحات التواصل الاجتماعي لغايات نشر الفكر المعتدل وتوجيه الحوار الشبابي صوبه، وتبني الرسالة الاعلامية الرسمية من قبل شباب التواصل الاجتماعي لغايات العمل كعضد للأجهزة الرسمية في حماية الفكر الشبابي، وايجاد خطاب مدني معتدل مشترك بين الشباب يساهم في عزل العناصر المتطرّفة، وتشجيع منظمات المجتمع المدني واتحادات طلبة الجامعات ومراكز الشباب لانشاء مجموعات حوارية على شبكات التواصل الاجتماعي.
كما أن الأمر وأهميته يستدعي تخصيص موازنات خاصة لدعم تشبيك الشباب المكافح للفكر المتطرّف على شبكات التواصل الاجتماعي، واستخدام الوسائل الاستباقية والوقائية الاعلامية لدرء خطر الارهاب من حيث الصور والنصوص والفيديو والفلاشات وغيرها، والشراكة في ايجاد خطاب سياسي وفكري واجتماعي لتشجيع المجتمعات المدنية المعتدلة لعزل العناصر المتطرّفة، وتشجيع العلماء والشخصيات الوطنية والحكماء لفتح حسابات على شبكات التواصل الاجتماعي لغايات التفاعل مع الشباب وتبصيرهم برسائل اعلامية تنويرية وتوعوية وتحليلية، وتعريفهم بأخطار الابتزاز والاختراق والخصوصية والملكية الفكرية والحرية اللامسؤولة وغيرها، وتنشيط العمل الحزبي من خلال مواقع التواصل الاجتماعي لغايات طرح الأفكار والحوارات.
ولأن الارهاب يشكّل التحدي الأعظم وعدو الانسانية بالنسبة للشباب والجميع، والشباب هم أيضاً أول ضحايا الارهاب، ولهذا فان الجميع معني بمحاربته في الوقت الذي يتسابق فيه العالم للاستثمار بعقول الشباب وطاقاتهم، وخصوصاً بعد أن بات الحوار الالكتروني يحوي سجالات وتصفية حسابات وكر وفر ودموية وأدوات لمجتمع الكراهية والاحقاد والامراض الاجتماعية والنفسية لتعكس وتسقط الناس ما بداخلها، وبات مع الاسف غير نظيف ويحوي تخندقات مبرمجة وشللية ومناطقية وجهوية ضيقة وشخصنة واغتيال شخصيات وغيرها، ويعاني من أزمة أخلاق تتوسع بشكل يومي لعدم فهم معظم الناس لمبادئ الحوار واحترام ا?خر والحرية المسؤولة لا المنفلتة على الغارب.
ولأن التواصل الاجتماعي الالكتروني أصبح أسرع وأنجع وسيلة للحوار بين الشباب فانه ربما يتم مكافحة الارهاب والتطرّف فكرياً من خلال الوسائل حوارية مختلفة كانشاء شبكات فكرية وتحالفات عملية لتقود الرأي الشبابي الداعي للتسامح والتعايش واحترام التنوّع ونبذ العنف، وانشاء مجموعات حوارية وصفحات المشجعين والمجموعات الشبابية المعتدلة والضاغطة، ومنح حوافز لأفضلها ولمن يطرح أفكار لها ثمرة وتساهم في حلول، واعطاء الشباب الأدوات التكنولوجية ليخاطبوا جيلهم وغيرهم من الأجيال من خلال شبكات التواصل الاجتماعي، وضرورة تطوير آليات الحوار وأساليبه ليشمل حوار الأديان وحوار الأجيال وحوار الاختلاف بالرأي وحوار الشعوب وحوار الاعتدال والتطرف وهكذا، واحترام آداب الحوار من حيث اعتباره كقيمة دينية وثقافية وانسانية واحترام الطرف الآخر ورأيه وتبيان الحق وكشف الباطل، وتشجيع الديوانيات وتواجد الحكماء وخبراء الحوار عبر صفحات التواصل الاجتماعي، والحوار ولغة الاقناع هما السبيل للخروج من الأزمة الأخلاقية والقيمية التي يعاني منها البعض، فالخطابات لوحدها والانشاء والتصفيق وترديد لغة الحناجر وما على شاكلتها لا يمكن أن تواجه الارهاب على المدى البعيد، لان الجيل الجديد بحاجة ماسة لتوعية فكرية وحصانة ضد أفكار التطرف والغلو في خضم تردي لا بل انهيار في منظومة القيم والاخلاقيات.
ولهذا فاننا نحتاج لاظهار صحوة واصلاحات في ثقافتنا وحياتنا اليومية والتعليمية عبر صفحات التواصل الاجتماعي، ونحتاج لاشراك الشباب والمرأة والانفتاح عليهم، ونحتاج لبرامج توعية فكرية، ونحتاج لتغييرات جذرية أسبابها فشل ذريع على الارض في تعاملنا مع جيل الشباب وتحصينه وتمكينه، وتحتاج الامة لمشروع استنهاض فكري مناوئ للتطرف يساهم به علماء الامة وساستها وشبابها ونساؤها، مشروع تنويري يخاطب العقل لا القلب، ليقنع الجيل القادم بأن البيئات والاوكار الحاضنة للارهاب والطائفية والتكفير والغلو والتطرف منبوذة ولا تمثلنا بشيء، ولهذا فلا بُدّ من الحوار ولغة الموضوعية لايصال أفكار هذا المشروع للشباب وغيرهم، والعزف على أوتار الفقر والبطالة وغيرها من المسببات كبيئات حاضنة لتنمية الارهاب ولتبرير الافعال السوداوية والقتل والتدمير والخراب أو التعاطف معها مرفوض البتة وهو أخطر من الارهاب نفسه.
وأخيراً فوسطية الفكر والحوار وطرحهما من خلال شبكات التواصل الاجتماعي تشكّل طريقنا القويم لمواجهة الفكر المتطرف ولغايات تحقيق الاستقرار والسلم العالمي، ومواجهة الفكر الظلامي والتكفيري بالفكر العقلاني والوسطي طرح بعيد المدى الى جانب الطروحات متوسطة وقريبة المدى لمحاربة الارهاب عسكرياً وأمنيا.
الدستور