الشاعر حيدر محمود ومشاريع الشهادة
أ. د. انيس الخصاونة
17-06-2017 03:15 PM
رغم الأحداث الكبيرة التي تشغل المنطقة العربية فقد تابع الاردنيين باهتمام كبير الرسالة التي وجهها الشاعر حيدر محمود إلى رئيس الوزراء الدكتور هاني الملقي على خلفية عدم تجديد عقد نجله عمار الذي يعمل مستشارا في رئاسة الوزراء وسحب السيارة الحكومية التي كان يستخدمها نجل الشاعر محمود. لا ننكر إطلاقا قصائد الشعر حيدر محمود التي تغنت بالاردن وإنجازاته ومؤسساته وقيادته كما لاننكر على الرجل حبه للأردن وانتمائه له تماما مثلما أننا لا ننكر أن السيد محمود استثمر في ملكاته الشعرية لترتيب أوضاعه وأوضاع عائلته التي نحترمها.
الصادم في الموضوع أن ينبري الشاعر محمود برسالة لرئيس الحكومة يشتم منها تخويفا بحكم صلاته أو مكانته الأدبية أو السياسية بصفته عضوا بمجلس الأعيان .لا نعلم كيف فات على الرجل أن ابنه المستشار عمار موظف حكومي يخضع لأنظمة ولوائح الدوله، وعليه الالتزام بضوابط العمل العام .رد رئاسة الوزراء فضح الموضوع وجعل كافة الاردنيين يطلعوا على أن المسشار عمار حيدر محمود لم يلتزم بالقيام بواجباته الوظيفية ولم يلتحق في مكان عمله سوى لبضعة أيام منذ عام 2009 .
يا ترى كيف يمكن أن يكون قلب شاعرنا حيدر محمود مسكونا بهذا الغضب الذي عبر عنه في رسالته لرئيس الحكومة إذا كان نجله لا يمارس عمله ولا يقوم بواجباته ويتقاضى رواتبه وامتيازاته دون قيامه بالأعمال المناطة به؟ معظم الاردنيين لم يكونوا على علم بأن نجل الشاعر حيدر يعمل مستشارا في رئاسة الحكومة لتأتي رسالة والدة الحادة لتجعل هذا الموضوع موضوعا عاما يتداوله الاردنيين ،خصوصا وأن الشاعر محمود تحدث عن أنه كان "مشروع شهادة" في السبعين؟ وهنا نتساءل ماذا نقول للمئات من الاردنيين من أبناء القوات المسلحة والأجهزة الأمنية الذي قضوا شهداء فعليين في السبعين وما قبل وما بعد السبعين ؟ وفي الوقت الذي ندرك فيه أن استخدام مصطلح"مشاريع شهادة" لم يكن بدعة من السيد حيدر محمود وإنما سبقه إلى استخدام ذات المصطلح عدد من رؤساء الحكومات والمسؤولين السابقين ولأغراض إعلامية أو "تلميعية" ،فإن السياق الذي أورده السيد محمود في رسالته وحديثه عن "فصيلة الدم" ربما يفتح الباب لتفسيرات ومعاني من شأنها أن تؤثر على الانسجام والوحدة الوطنية.
لم يوفق الشاعر حيدر محمود هذه المرة في التعبير المناسب في قضية ابنه عمار ونعتقد بأنها رسالته وتدخله وربما إفراطه في تذكير الاردنيين بأنه كان مشروع شهيد ربما ستكلفه خسارة كبيرة لمخزونه الشعبي وربما الأدبي ،وذلك لما شكله مضمون هذه الرسالة وما تبعها من تعقيبات من استفزاز لقطاعات واسعة من الأردنيين.كان بإمكان المستشار عمار حيدر محمود اللجوء للقضاء وتسجيل شكوى ضد رئيس الحكومة إذا كان لديه شعورا بالظلم ،أو إذا كان قادرا على إثبات أن هنالك تعسف في استخدام السلطة ،فالطالما تحدثنا عن نزاهة القضاء الاردني وعن مكانته في إنصاف المظلومين سواء كانوا موظفين عامين أو مواطنين عاديين.
كثير من أبناء شهداء الاردن الفعليين وليسوا "مشاريع الشهداء" لا يجدون وظائف لهم ولا تكفي رواتب أبائهم الذين رووا بنجيع دمائهم أرض الأردن وفلسطين لسد حاجاتهم ودفع تكاليف معيشتهم..أبناء شهداء الأردن لا يطمحون لوظائف دبلوماسية أو استشارية في رئاسة الحكومة ،ولا لسيارات حكومية ، ولا لامتيازات وظيفة كالتي تمتع بها نجل الشاعر حيدر محمود.. ونذكر في هذا السياق أن قطرة دم واحدة من شهداء القوات المسلحة الأردنية والأجهزة الأمنية تفوق في قيمتها وتضحيتها كل أبيات الشعر وقوافيه وسجعه...
هفوة كبيره للشاعر محمود وهي ليست كأي هفوة لشخص عادي فالشاعر محمود وزير سابق وما زال على رأس عمله كعضو في مجلس الأعيان وهو كان وما زال مقربا من القصر مما يحتم عليه أن يمحص مواقفه وخطواته فهل يستدرك الأمر ويتراجع عن المزيد من التعقيبات والمواقف المثيرة؟