بلاءٌ جديد: قُضَاةُ المنصّات !
محمد الداودية
17-06-2017 02:45 AM
معاركُ فيسبوكية طاحنة، وضجةٌ كبرى، أُثيرت مؤخرا، حول عدة مواضيع، ميّزها الاستنكارُ المهذبُ رفيع المستوى، الذي تعرَّض للموضوع ولم يُعرِّض بالأشخاص. وخالطها ما يخطر وما لم يخطر على البال، من افتراءات وغلاظات وتطاولات وانتهاكات، كان واضحا انها سِباق خارج السِّياق.
دعا النائب نبيل الشيشاني، تسانده زميلته في كتلة الإصلاح النائب هدى العتوم، رجالَ الدين المسيحي، الى استنكار تصريحات النائب قيس الزيادين. من حق النائب الشيشاني ان يطالب وأن يدعو وان يعترض، لكن هذا الحق، قوبل بموجة نقد، لم تقف عند مناقشة ما طالب به النائب الشيشاني - وأنا لا أتفق معه -، بل طالت أهلَنا الشيشان كرام الناس، باشكال تعرّضٍ مختلفة، مسّت كتلتَه وحزبَه ومسّت الشيشانَ وشككت في مواطنتهم الأردنية وفي انتمائهم النهائي، الى ثرى هذا الوطن العربي العزيز.
وقرأنا تهديدات إجرامية إرهابية رعناء، للنائب قيس الزيادين، ينتظر الرأي العام ان يُحاسَب مُطلقوها، تهدده بمصيرٍ مماثلٍ لمصير المفكر الأردني البارز، المرحوم ناهض حتر، الذي اغتيل ظلما وبغيا وعدوانا.
وتطاول نفر مشبوه عابث ضئيل قليل، من منتسبي نادي الوحدات على الأردن، فاندلعت ضدهم حملة محقة من الاستنكار الأخلاقي الوطني المهذب، خالطها للأسف الشديد، تطاول على الأصول الفلسطينية، لمطلقي تلك التطاولات، شملت حتى الأكثرية الذين استنكروا وكتبوا وشجبوا، انطلاقا من ان ما تم مسّه، والتطاول عليه، يمس كل الأردنيين، من كل المنابت والأصول.
تم ذلك التعدي والتجاوز والتطاول، بالقفز عمّا حدده رب العزة في مثل هذه الحالات: «ولا تزرُ وازرةٌ وزرَ أخرى». وما حدده حكماءُ شعبنا حين قالوا: «كلُّ شاةٍ معلقة بعرقوبها».
على منصات التواصل الاجتماعي، أصبح الآلاف، قضاةً وديانين مفرطي العنف، بلا اي فرصة للتقاضي ولسماع وجهات النظر المختلفة المخالفة، أو السماح بسماع محامي الدفاع.
اصبح «قضاةُ المنصات» يتسقّطون هفوةً هنا، او جملةً هناك، او تصريحا منفعلا خارج السياق، يستحق الاستنكارَ الأخلاقي، ليعقدون لأصاحبها، محاكمات على الهواء، يطلقون الاتهامات المغالية القاسية، والاحكام المغُلّظة، المقرونة بطعون من نوع جديد، هي الطعون في الشرف والمذهب والطائفة والمنابت والأصول.
وليس «مشروع ليلى» ببعيد عن هذا النسق. فقد اندلعت موجة استنكار ورفض وطنية راشدة، لإقامة هذا الحفل في بلدنا، وخالطتها للأسف، فواصل من العنف اللفظي والذم والشتم.
واعتقد ان وزيرة السياحة، التي نعرف وطنيتَها وخلقَها ومهنيتها، لم تكن لتوافق على رعاية هذه الفرقة، او السماح لها بالغناء في بلدنا، لو انها كانت متيقنة، مما وَقَرَ لدى الرأي العام، من قناعات حول هذه الفرقة، على قاعدة اننا لا نرحب بأي فرقة فنية، يشوب الغموضُ والشوائبُ أداءَها وأفرادَها ومضمونَها.
لقد تم التطاولُ على وزيرة السياحة من قبل «قُضاة المنصّات»، الذين كتبوا ضدها كلاما قبيحا، وهم يزعمون انهم ينتصرون للأخلاق والشرف والقيم والدين! فجَرّحوا بفظاظةٍ وغلاظة، دينَها وشخصَها المحترم الكريم.
في بلدنا بفضل الله، وحكمة الرعيل الأول من الطليعة الوطنية ووعيهم، دستورٌ محكمٌ تقدميٌ وازنٌ، تم صكُّه في الخمسينات، وفّر لنا انظمةً وقوانينَ وحكومةَ وصحافة ومجلسَ امة ومحاكم ومحامين وقضاة، تمنع ان نقوم نحن غير المكلفين وغير المختصين، بدور غيرنا، كي لا نقع في الفوضى والغلو.
الدستور
dnshme@hotmail.com