الصديق و الرفيق جمال الفار وداعا
فارس الحباشنة
16-06-2017 11:12 PM
مثل هذا الشهر قبل 11 عام التقيت بـ "جمال الفار " في جريدة الانباط. ومن تلك اللحظة ربطتني بجمال الفار أكثر من صداقة، رأيته قبل حوالي اربعين يوما في مقر محطة جوسات، لامست في عيونه وجعا وكأنه ينتظر الرحيل. سألته أن كان ملتزما بالعلاج ومراجعة الطبيب فلم يجيب عن كلا السؤالين و أشعل سيجارة جديدة قبل أن تنطفئ السيجارة الملتهبة بين اصبعيه .
في أخر اتصال هاتفي قبل اسبوع انهى جمال الفار المكالمة بضحكة متحشرجة وكأنه يريد القول بانك لن تسمع صوتي بعد الان . ضحكة اشبه بصرخة وداع ، ضحكة رجل طيب انسان لم يعرف يوما الكره و البغض و الحقد على احد ، رغم أنه من اوائل العاملين في المؤسسات الصحفية ، فقد عاصر عميد الصحافة الاردنية رياض الحروب بنكساته وانتصاراته من الف الى الياء .
ما يعني أنه عاشر قوم الصحفيين ، وما ادراك ماذا يعني أن تتعامل مع صحفيين . فالرجل لم عجنه اخلاق وطبائع الصحافة بقدر ما كان متميزا في دماثة و خلق رفيع في التواصل مع الاخرين . وحتى في رحلة
بعض الصحف ارتبط اسمها بجمال الفار أكثر من رؤساء التحرير وكتابها وصحفيها . فهو حارسها الامين و المسؤول عن طباعتها وتوزيعها ومن يجيب بالنهار على اتصالات جمهور القراء .
من يعرف جمال الفار يطمئن على أن هذه الدنيا فيها الناس خيرون و الطيبون و البسطاء و الاميين والمخلصين ، رجل لا تشعر أبدا انه مجرد عامل في صحيفة او محطة فضائية ، رحل وترك من بقيته
شيئا من بقيته على الارض ، و قد يقدرنا الله على حملها في ضمائرنا رسالة حب و اخلاص للآخرين .
ثمة ناس رحليهم اختبار ، عندما تواجه اختبارا في اعلان فقدهم ، رحل بهدوء و لم اتخيل لحظة على هذا الشكل ، ولم اشعر بلحظة بقرب الموت كهذا الحال الان . تدرك مسلما حين يقترب الموت من اعز
الاصدقاء و الرفاق بالضعف و الوهن لانك لا تملك قدرة على المقاومة . هو الموت كم يسلب منا أناس طيبون و عزيزون .
موت الاصدقاء و الرفاق مثل القصاص ، نعم قصاص . هو سؤال وجودي عالق ، حيث الحق و العدل والحرية ليسا في اكتمال حلم في الحياة ، انما اجنحة تطير بك حيث ما تشاء وتريد أن تحلق في سماء الله
الواسعة .
في رحيل جمال الفار و لا اعرف أين سيوارى جثمانه الثرى في الاردن الطاهر أم مصر العزيزة ؟ لا يقتصر الندب على فقدان صديق ، بل أنه اخ و رفيق . كان الراحل أكثر من اقترب اليه ببوح اسراري و قلقي و
خوفي و عشقي و جنوني ، كان دائما يتملس في مشورتي لي ثقة عميقة في التمييز بين الخطأ و الصواب في درب لا يعلم غير الله كم هي محفوفة بالمخاطر و المشاق .
كثر و كثر في الوسط السياسي و الاعلامي عرفوا جمال الفار سيفتقدون جمال الفار اليوم . فهو عود الناس على محبته و عود الناس على اللاحق به من طيبة نفسه وكرمه الشديد ، لم يكن يترك مجالا للاخر لكي يبقى بعيدا عنه ، متلازمة في الصحافة يمكن تكون اقوى من القلم و الحبر .
كل من عرفوا جمال الفار يتفقون على محبته ، جبة هذا الرجل غريبة ، والله غريبة . و انا اكتب كلما زاد نبشي بالذاكرة عن صور لكمال اخلاق ورفعة هذا الرجل . نعم ، هناك اناس نادرون و، وحقا أن الله عندما خلقهم نادى الانبياء و المرسلين ابلغهم عن صورته .
من جهتي لربما لست قادرا على اكمال الكلام ، ولا ادعي أنه غير قادر على البكاء ، و لكن و الله يعلم أنه الراحل ممن يقتفى اثرهم بالرفعة والطيب و الاخلاص و حسن المحال و المقام . اراقب صوره في خيالي الان هي لمحات لابتسامات صابرة وصادقة وواثقة تؤكد أن الانسان مازال بخير وسلام.
ننعى انسان طيب ، بلا شك فان الطيبين لا يموتون بل يخلد مسك ذكرهم المعطر بالتضحية و الحب و الاخلاص والانسانية.