محمود درويش .. إرهابي بحزام شعري ناسف!!
رجا طلب
16-06-2017 08:51 PM
هل يملك الحق تلك القوة التي تزلزل الظُلم وتفقد الظالم جبروته؟، وهل تملك الكلمة التي يتلفظ بها المظلوم قوة السيف الباتر الذي يقطع شرايين التجبر في نفس الظالم؟
عبر التاريخ كانت الكلمة نواة القوة، أية قوة كانت، وكان الشعر أول الكلام وآخره، وعندما يكون الشاعر الناطق الرسمي باسم المظلومين يكون أكبر من السلطة والعروش والجيوش، ومحمود درويش شاعر العشق الأبدي للحرية وفلسطين والإنسان أكبر مثال على ذلك، لقد اختار الكلمة شعراً ونثراً، رصاصاً لنضاله من أجل حرية شعبه وحرية الإنسان أينما كان، ورغم أنه لم يستخدم طوال حياته أي سلاح ضد الاحتلال الإسرائيلي لوطنه فلسطين إلا الشعر، غير أن هذا الاحتلال تعامل معه بمنتهي العدائية والكراهية، وأعتقد جازماً أنه لو قدر له العيش لبضعة سنين أخرى لكان اليمين الإسرائيلي قد صنفه إرهابياً يمارس القتل "بحزام شعري ناسف"!
في آخر معاركه مع هذا اليمين وهو يرقد بسلام في قبره، يٌشهر محمود درويش قنبلته "الإرهابية" المسماة (فكر بغيرك) ليفجر بها مجاميع المشاركين بالاحتفال السنوي لجمعية المبدعين الإسرائيليين الذي أقيم قبل أيام، ففي ذلك الاحتفال "هربت مذعورة" وزيرة الثقافة والرياضة الإسرائيلية ميري ريغف لدى علمها أن المغنية الفلسطينية ميرا عوض ستغني قصيدة درويش "فكر بغيرك"، وبررت الوزيرة المرعوبة هروبها بقولها "إنها خطوة استفزازية"، ونقل عنها في تبرير تصرفها هذا: إن هذه محاولة تتّسم بعدم مراعاة سياسة وزارة الثقافة وتهدف إلى إدخال نصوص لدرويش من الباب الخلفي.
وعندما ردت جمعية المُبدعين الإسرائليين على ريغف بأن الأغنية التي اختارتها ميرا عوض ذات رسالة مُسالمة، قالت الوزيرة "إن اعتراضها ليس على القصيدة، بل على الشاعر"، وهي بجوابها هذا تمارس الصدق الكامل مع ذاتها، لأنه سبق لها أن غادرت احتفال جوائز الأوسكار الإسرائيلية الأخير احتجاجاً على قيام المغنيين تامر نفار ويوسي تسباري بدمج سطر من قصيدة درويش "بطاقة هوية" في أغنية قدماها خلال الاحتفال.
والسؤال المطروح، لماذا تكره هذه الوزيرة اليمينية المتطرفة شاعراً مسالماً مثل محمود درويش لم يستخدم لا العنف ولا السلاح يوماً في مواجهته للاحتلال؟
الجواب: إنها الكراهية الناتجة عن الشعور بالنقص والدونية والعجز عن مواجهة كبرياء الحق في شعر درويش بشعر مضاد أو بخطاب ثقافي يدحض منطق المظلوم غير المستسلم في مواجهة منطق الظالم المرعوب من نفسه وأدواته القمعية.
ماذا تقول "رصاصات" قصيدة " فكر بغيرك" ؟
تقول ما يلي:
وأنتَ تُعِدُّ فطورك، فكِّر بغيركَ
لا تَنْسَ قوتَ الحمام
وأنتَ تخوضُ حروبكَ، فكِّر بغيركَ
لا تنس مَنْ يطلبون السلام
وأنتَ تسدد فاتورةَ الماء، فكِّر بغيركَ
مَنْ يرضَعُون الغمامٍ
وأنتَ تعودُ إلى البيت، بيتكَ، فكِّر بغيركَ
لا تنس شعب الخيامْ
وأنت تنام وتُحصي الكواكبَ، فكِّر بغيركَ
ثمّةَ مَنْ لم يجد حيّزاً للمنام
وأنت تحرّر نفسك بالاستعارات، فكِّر بغيركَ
مَنْ فقدوا حقَّهم في الكلام
وأنت تفكر بالآخرين البعيدين، فكِّر بنفسك
قُلْ: ليتني شمعةُ في الظلام
محمود درويش شكل ومازال يشكل عقدة لدى المحتل الإسرائيلي وتحديداً "اليمين" منه، ففي عام 1988 أطلق قنبلته النووية المسماة (عابرون في كلام عابر) وهي القصيدة التي دمرت كيان ثقافة المحتل وأحالته الى "مسخ"، وجعلت الإرهابي الأول "إسحاق شامير" يطارد هذه القصيدة باعتبارها إعلان حرب على كيانه، واذكر في ذات السنة التقيت في فيلا الصديق العزيز بسام أبو شريف في منطقة قصر الصنوبر بالجزائر الشاعر الكبير محمود درويش في سهرة جمعت عدداً من السياسيين والمثقفين الفلسطينيين والجزائريين والعرب وتحدث درويش بثقة المنتصر عن رد فعل شامير على القصيدة وقال رحمه الله: "لم أصدق أن كلماتي هزت متغطرساً وجباراً وقاتلاً مثل شامير"، ووقتها كنت أعمل في جريدة الوطن الكويتية واستأذنت الشاعر الكبير في أن أكتب تصريحاً على لسانه بشأن تعليقه على شامير فرفض وقال: لا أريد أن أخفف عليه وعنه وطأة الهزيمة، ولا أريد أن أنهي الانتصار بكلام عابر.
24