حريق لندن يكشف عدم ثقة البريطانيين بالنظامهيذر بروك
16-06-2017 04:51 PM
ليس مشهد تحليق المروحيات مشهداً غير اعتيادياً في لندن، لكن أيقظني صوت أزيز المحركات في الساعة الخامسة صباحاً باكراً. تطلعت من شرفتي إلى سحب الدخان الكثيفة وهي تتكون وتتشكل من خلف الأشجار. كان مصدر الدخان حريقاً في برج «غرينفيل»، المبنى الذي يتكون من 24 طابقاً، ولا يبعد كثيراً عن الحي الذي أسكن فيه بمنطقة ويست لندن. أعلنت السلطات أنه حادث كبير تطلب احتواؤه والسيطرة عليه أكثر من 200 رجل مطافئ، وكان عدد المحاصرين داخل المبنى مجهولاً. ومع مرور الساعات أصبح حجم الرعب بادياً جلياً؛ فقد ارتفع عدد الوفيات من ستة إلى اثني عشر على الأقل، فضلاً عن الضحايا الذين يحتاجون إلى العلاج في المستشفى، والبعض في العناية الحرجة. وردت أنباء عن قفز أشخاص من النوافذ للهرب من الدخان وألسنة اللهب، وتمكن أحد مشاهدي الحادث من التقاط طفل بعد إلقائه من أعلى المبنى. سرعان ما تبين أن السكان قد طرحوا تساؤلات في السابق عن قواعد السلامة والأمان الخاصة بالحريق في المبنى الذي تقطن به نحو 120 أسرة. نشرت مجموعة «غرينفيل أكشن غروب»، وهي مؤسسة مجتمعية، سلسلة من التدوينات عما يتعرضون له من الظلم من «مؤسسة إدارة مستأجري كينغستون وتشيلسي»، وهي الشركة التي تدير المبنى نيابة عن السلطة المحلية، وهي المنطقة الإدارية الملكية لكينغستون وتشيلسي. حملت تدوينة في نوفمبر (تشرين الثاني) 2016 عنواناً صادماً هو «مؤسسة إدارة مستأجري كينغستون وتشيلسي تلعب بالنار» في إشارة إلى أن وقوع كارثة هو فقط الذي سيكشف مدى فشل وانعدام كفاءة صاحب المبنى، حيث تعود شكاوى المجموعة من قواعد السلامة الخاصة بالحريق إلى عام 2013. تمت العودة إلى نظام الإسكان الاجتماعي مرة أخرى من خلال الجمع بين الملكيات العامة والخاصة تحت قيادة حكومة حزب العمل برئاسة توني بلير، واستمر النظام حتى يومنا هذا. إن الأمر مشحون بمشاعر قوية تجاه السياسة والطبقات، لكن تعود جذور المشكلة في لندن إلى تزايد عدد سكانها بمعدل متسارع، دون أن يزداد عدد المعروض من المنازل بالمعدل نفسه؛ فضلاً عن اختيار أثرياء العالم للعقارات في لندن لتكون مخزناً لملايينهم؛ مما أدى إلى ارتفاع أسعار المنازل والشقق الخاصة بشكل كبير. مع ذلك تلتزم السلطات المحلية توفير المسكن إلى المهمشين، رغم وضع المجالس المحلية حداً أقصى للمبالغ التي يمكنهم اقتراضها. يكبل هذا أيدي الحكومات المحلية بشكل كبير فيما يتعلق بالقدرة على إدارة ما لديها من مساكن. نتيجة لذلك، توجهت أكثر المجالس المحلية إلى القطاع الخاص من أجل الدعم. تعد منطقة كينغستون وتشيلسي من أكثر المناطق رقياً في لندن، حيث توجد بها الكثير من المتاحف، وقاعات العرض الفنية، والسفارات. مع ذلك إذا سرت إلى حي لادبروك غروف، حيث أقطن، ستجد مشهداً مغايراً تماماً؛ فأكثر سكان المنطقة الفقراء يتركزون في شمال كينغستون، حيث يقع برج «غرينفيل»، وأكثر وحدات الإسكان الاجتماعي. الشركة، التي تدير برج «غرينفيل»، مؤسسة لا تهدف للربح، ويعني هذا نظرياً أنه يتم إدارتها من قبل سكان آلاف المباني الموجودة في لندن ومن أجلهم. مع ذلك يبلغ عدد السكان من الخمسة عشر عضواً من أعضاء مجلس الإدارة، ثمانية أعضاء فقط، أما باقي الأعضاء فإما معيّنون من جانب المجلس المحلي، أو مستقلون، ويتم التعاقد مع شركة خاصة أخرى لتولي الأمور الخاصة بالإصلاح والصيانة. هناك علاقة وطيدة تربط بين المجلس، الذي يعد المالك النهائي لتلك المباني، والشركة التي تتولى الإدارة، والتي ترى مجموعة «غرينفيل أكشن غروب» أنها حاجز حماية لا يعمل. وتشير المجموعة إلى تجاهل وقمع مخاوف السكان. من الصعب التحرك داخل نظام الإدارة المحلية الإنجليزي، ولا يتمتع المواطنون بفرص للمشاركة بشكل حقيقي في عملية اتخاذ القرار، حيث تسود طريقة التفكير الأبوية التي ترفع شعار «نحن نعرف أفضل منك»، ولا يمكن الحصول على المعلومات الأساسية إلا من خلال تقديم الطلبات الخاصة بحرية تداول المعلومات. حتى عام 2005 عندما تم تطبيق قانون حرية تداول المعلومات، لم يكن الكشف عن تقارير التفتيش على قواعد السلامة الخاصة بالحريق لعامة الشعب أمراً قانونياً. ولا يمكن الحصول على تلك التقارير اليوم إلا من خلال تقديم طلب كتابي بموجب قانون حرية تداول المعلومات. وهناك مؤشر آخر يدل على طريقة التفكير القائمة على مفهوم «الوثوق في السلطة»، وهي التعليمات الرسمية التي صدرت إلى سكان «غرينفيل» بـ«ألا يتحركوا من أماكنهم» في حال نشوب حريق، لكن لحسن الحظ تجاهل أكثر الناس هذه التعليمات وهربوا. إنها أوقات عصيبة مضطربة في بريطانيا، ويستدعي حريق برج «غرينفيل» إلى المشهد الكثير من الأمور، التي تثير حنق الناس؛ فعلى مدى العقد الماضي، شهدت البلاد سلسلة من الأحداث التي قوضت ثقة المواطنين بالمسؤولين، ومنها الأزمة المالية عام 2008. وفضيحة النفقات البرلمانية، والفوضى التي سادت الحكومة بعد الاستفتاء على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. في ظل هذه الحالة من السخط وعدم الرضا عن الوضع الحالي، اختار الناخبون في كينغستون، الدائرة الانتخابية التي كانت يوماً ما ذات توجه محافظ قوي، لأول مرة عضوا في حزب العمال لشغل مقعد في البرلمان خلال الأسبوع الماضي. وتبدو كارثة «غرينفيل» اليوم وعدا حكوميا آخر يقول: «ثقوا بنا ونحن سوف نرعى شؤونكم» ينضم إلى قائمة الوعود التي لم تتمكن الحكومة من الوفاء بها. في حين وفرت الوسائل التكنولوجية الرقمية مثل المدونات، ومواقع التواصل الاجتماعي، طرقاً جديدة تمكّن المواطنين، مثل أعضاء مجموعة «غرينفيل أكشن غروب»، من الدفاع عن حقوقهم ومصالحهم، تبدو الطريقة التقليدية المتمثلة في المشاركة في السياسة بالية، وغير ديمقراطية أكثر من أي وقت مضى. السؤال دائماً هو: من له حق المعرفة؟ يجب على الأفراد، الذين يتمتعون حقاً بالقوة، ألا ينتظروا دون أن يحريكوا ساكناً إلى حين الحصول على المعلومات التي يختار المسؤولون تقديمها إليهم. يمكنهم طرح ما شاءوا من أسئلة والحصول على أجوبة. لم يكن لدى سكان «غرينفيل» هذه القوة، وهذا ما يجب أن يتم تغييره، ليس فقط في كينغستون وتشيلسي، بل أيضاً في كل مؤسسة تدعي أنها ديمقراطية؛ فهذه هي نهاية المواطن «الذي يراوح مكانه». *أستاذة الصحافة في جامعة سيتي - لندن * خدمة «نيويورك تايمز» نقلاً عن الشرق الأوسط |
الاسم : * | |
البريد الالكتروني : | |
التعليق : * |
بقي لك 500 حرف
|
رمز التحقق : |
تحديث الرمز
أكتب الرمز :
|
برمجة واستضافة