أكثر ما سرني في محاضرة العالم الجليل زغلول النجار قبل أيام في اربد والتي رعتها جمعية الافاق الخيرية المنذورة لرعاية وكفالة طلاب العلم - مناداته بإصلاح التعليم واعلاء شأنه وقيمته كمنصة للتطور والابداع والنهضة والتقـــدم والتنمية - ، وأضـــاف " ان العلم والمعرفة لا يتناقضان مع الدين لأن الدين حث على استخلاف واعمار الأرض" وقدرنا لهذا الداعية انه عزا الحالة البائسة للامة وما تمر به " الى أن المخاض المشين لا ينتج عنه الا النزاعات والحرب باســـــم الدين وانه يعود الى الجهـــل في فهم الدين "... فجزاه الله خيراً على هذه الاقوال والأفكار .

بقدر ما سررنا بتصريحاته عن التعليم فقد اوقعنا بالحيرة والالتباس عندما دعا الى اسلمة العلوم بداعي ان الاكتشافات العلمية بنيت على جهود العلماء المسلمين ، وان علينا تحرى الصوابية وعدم الانبهار بالحضارة والتقدم العلمي والتقني التي حرفها الغرب . نفهم الدعوى الى اسلمة المصارف فمقتضاها هي استبدال الفائدة الربوية بالمرابحة وهي فكرة تعاونية رائدة ولها من يؤيدها وهناك من يفضل عليها نهجـــا اخر. ولكــــن المصارف آلية خدمه وتخضع بخدمتها لطرق ونظريات قد لا تتعارض. اما القول بأسلمة العلوم بما تشمله من علوم بحتيه وانسانيه فهذا هو اللغز، فهل يقصد الشيخ ان يكون لنا كيمياء او فيزياء اسلاميه؟، وهل من الممكن أن يتغير مفهوم قاعدة ارخميدس في الإسلام؟، او ان يكـــــون لنا شعر إسلامي يمنع الغزل ويستوجب اعدام كتاب "طوق الحمامة" لابن حزم الاندلسي. هل هناك قانون جاذبيه إسلامي وآخر مسيحي او بوذي او كنفوشي ؟؟؟

لا اعتقد ان شيخنا يقصد اغلاق الباب علينا ووصم انتاجنا العلمي ، ان وجـــد بعبارة ، منتـــج إسلامي ، فعندما اسهم عالمنا العربي المسلم احمد زويل بنظريته الجديدة في علم الكيمياء وفاز بجائزة نوبل في حقل الكيمياء كان بسبب اسهامه بهذا العلم الإنساني وليس لأنه طور علما اسلامياً له هويته الإسلامية ومحتواه الفارق ، فحتى لو احتاج الى مختبر بمستوى تجاربه المتقدمة فلن يجده في عالمنا الإسلامي.

يؤخذ على امتنا الإسلامية التمسك بعقدة الاصطفائية والتميز ووضع العلامة الفارقة ، والاستقلال عن باقي أمم الأرض وكثيرا ما نجد كتباً تسمى علم النفس الإسلامي ، فن الحرب الإسلامي ، الطب الإسلامي ، علم الفلك الإسلامي ، فهل هناك علوم اخرى منسوبة لديانات من ابدعوا فيها كالقول علم النفس البوذي ، الفيزياء المسيحية او علم القرصنة الصومالي او علم الزراعة الهندوسي . ان تكرار ظاهره المناداة بالأسلمة حتى للعلوم والمعارف يبعدنا عن الروح الإنسانية والحضارة الجامعة التي تقوم على انصهار المعرفة في اناء واحد لخدمة الانسان أينما كان حتى يقوم بإعمار الأرض واستخلافها.

بالله عليك يا شيخنا الفاضل الذي بدأت بغاية نبيلة وهي تجديد وإصلاح التعليم ان تفسر لنا كيف يتم اسلمة العلوم في فسطاط الإسلام ، ونحن نعتمد على باقي الأمم ابتداء من عود الكبريت وحتى جهاز تصوير هشاشة عظامنا ، رغم اننا نتنفس نفس تركيبة الهواء الثابتة ، والمكونة من الاوكسجين وثاني أكسيد الكربون أينما كان الانسان ومهما كان دينه ولونه وعرقه ، وبالرغم من هذه الحقيقة العلمية الثابتة وعجزنا المزمن منذ مئات السنين ، ومازلنا نقول : احنا الاصل والفصل