دمقرطة الاتصال، مصطلح جديد يعني ضرورة أن يكون الاتصال باتجاهين بشكل حر. أما في الإعلام، فـ "الدمقرطة" تعني زيادة المحتوى الإعلامي الذي يقوم به الأفراد أو الجماعات المعنية بمسألة محددة. ولزيادة (الدمقرطة الإعلامية) بدأت الأوساط الإعلامية تبحث عن "إعلام مجتمعي"(صحف وإذاعات وتلفزيونات) يقوم بإدارته أوساط محليّة. وهذا الإعلام ينطق باسم التجمعات السكانية المحلية ومُدار بالكامل من قبل الأهالي. وتقوم مجموعات مُؤهلة ومُدربة من الأهالي بصياغة المحتوى الإعلامي بالكامل، وهو إعلام من أسفل إلى أعلى بعكس المحتوى في الوسائط الإعلامية الرسمية والتجارية.
في ذات السياق، جاءت تدوينة الأستاذ الدكتور تيسير أبو عرجة، عميد كلية الإعلام بجامعة البترا، التي قال فيها " إتاحة فرص التعبير الواسعة على أهميتها سمحت بهدر الكثير من القيم الإعلامية "(7/6/2017، ال ساعة18:30 في "فيسبوك")، وهذه العبارة لم تأت من فراغ. فاللغط الكبير والكثير، من كل ما هب ودب، في الشأن القطري والأزمة الأخيرة العربية ـ العربية أثارت انطباعات سيئة وحالة من "عدم الرضى" والقلق على القيم الإعلامية وأخلاقيات المهنة. فقد أجّجت الحالة هذه تأففاً من الغث الكثير كزبد السيل. أما بخصوص القيم الإعلامية فهي عشرة تقريباً، ومنها: المصداقية والمهنية والموضوعية والاستقلالية والنزاهة والأمانة ...إلخ.
إن "فرص التعبير الواسعة"(التي تحدّث عنها الدكتور أبو عرجة) التي حصل عليها كل من له حساب في مواقع التواصل الاجتماعي، تنسجم مع مبدأ "دمقرطة الإعلام": أي توسيع فرص التعبير لقطاعات واسعة من الناس كي تضع هي المحتوى الإعلامي الذي تريد، بيديها. وهذا يحتمل الكثير من الأخطاء والخلل الأخلاقي ووقوعنا في فخ (لعنة وسائط التواصل الاجتماعي).
هل تستمر هذه الحالة من الثرثرة غير المهنية في الشأن العام عبر وسائط الإعلام المتعددة دون حسيب أو رقيب؟ وهل هذه الثرثرة صِحيّة أم مَرضية؟ وهل يمكن الحد منها؟ ومن له المصلحة في تقييد حرية البوح والتعبير؟
دولة الإمارات العربية المتحدة وربما السعودية أيضاً، وحفاظاً على الوحدة الداخلية للمعسكر العروبي، فرضت العديد من القيود على أي تهاون إعلامي أو أي "مجاملة للنظام في قطر" أو أي "مغازلة لقوى الإرهاب"، بالتضامن أو التسامح مع دولة قطر وقيادتها وأعوانها من الحركات والمنظمات الإسلاموية المتشددة، تحت طائلة المسؤولية تصل إلى الحبس 15 سنة. هذا يعني فرض رقابة إعلامية مباشرة منسجمة مع المصالح العروبية العليا للدول العربية المحورية (المملكة العربية السعودية ، وجمهورية مصر العربية ، ودولة الإمارات العربية المتحدة)، وهذه الرقابة تشمل كافة وسائل الإعلام ووسائط التواصل الاجتماعي والمنصات الإعلامية الشخصية والعامة.
يستطيع (القوي) أن يفرض شروطه، وأن يرسم خطوط التاريخ، وقد تكون المصلحة القومية العليا للعرب هي الشماعة التي يعلّق عليها النظام العربي الجديد قراراته الرقابية أو الأمنية أو الجغراسياسية.
أعتقد أن "رقابة من نوع خاص" تحتاجها مواقع التواصل الاجتماعي (تويتر وفيسبوك ويوتيوب) باعتبارها الأكثر رواجاً وانتشاراً في العالم العربي. فهذه الرقابة: تُهذّب النفوس، وتؤنّق الأقلام وتُحسّن الخط، وتحافظ على القيم والأخلاق الكتابية. وذلك، لتنأى مهنة الكتابة بنفسها عن: لغة المهاترة والتخوين والقذف والشتم والتحقير والافتراء واختلاق القصص والأحداث.
بما معناه، الكتابة غير سائبة، وتُنظم عملها منظومة من القيم والأخلاق التي ينبغي تذكير الناس بها بشكل منتظم. وما ذكره مؤسس فيسبوك أن موقعه لن يتساهل (في فيسبوك) مع التحريض على العنف والإرهاب ومع المضامين المخلّة للقيم الإنسانية. يأتي في ذات السياق الذي تحدث فيه الدكتور أبو عرجة في تدوينته المذكورة، وما رافقها من تعليقات ومداخلات من أكاديميين وطلبة وكتاب ومفكرين.
ختاماً، وخلاصة الأمر، يقع على عاتق علمائنا ومفكرينا وكتابنا رفع لواء "القيم" المفقودة أو الآيلة للاندثار. فعندما تختلط القيم وتتأرجَح الأخلاق، لا يتبقّى أمامنا إلا الانكفاء على الذات أو قرع ناقوس الخطر للحفاظ أو الإبقاء على ما يمكن من منظومة القيم العربية والإنسانية بشكل عام. ودامت أقلامكم حرّة ونظيفة.