د. الشريف يكتب لـ عمون: الارتقاء إلى مستوى التحدي
د.نبيل الشريف
13-06-2017 01:24 PM
يبدو أن قدرنا في الأردن هو أن نعيش دائما على حد السيف ، فقد واجهنا التحديات والعقبات والرياح العاتية طوال عمر الدولة الأردنية ، بل يمكن القول أن سنوات الهدوء كانت هي الاستثناء وليس الأصل فيما مر علينا من ظروف وتطورات في محيطنا أو على تخومنا .
فقد شهدت كل الدول المحيطة بنا في العقود الماضية حروبا داخلية أو خارجية بدءا بنكبة فلسطين عام 1948 وماحل بشعبها من احتلال صهيوني وتنكيل وتشريد ثم الحروب الأخرى ضد الاحتلال الإسرائيلي الغاشم للأراضي العربية ، مرورا بالحرب الأهلية اللبنانية والحرب على العراق وانتهاء بالفوضى التي تعم سوريا منذ سنوات. ولا ننسى أن بلدنا أيضا كان له نصيبه من التحديات الأمنية الداخلية ، كما أنه خسر نصف المملكة في عدوان إسرائيل الغاشم عام 1967.
لقد تأثر الأردن على الدوام بما يجري في محيطه ، خصوصا فيما يتعلق بتحمل الجزء الأكبر من تبعات العبء الإنساني لتلك الحروب والنزاعات ، فقد أسهم بلدنا دون تردد في مداواة الجراح الإنسانية التي خلفتها تلك المواجهات ، فاتحا قلبه قبل حدوده لاستقبال موجات المهاجرين واللاجئين من الدول الشقيقة عملا بقيمه الإنسانية ومبادئه القومية.
وغني عن القول أن هذا كله استنزف موارد البلد وقدراته وأضاف أعباء ثقيلة على أوضاعه الاقتصادية والاجتماعية.
ورغم كل تلك التحديات فقد بقي الأردن صامدا ومستقرا وناهضا ، ولم يركع أو يرضخ بل ظل رافعا رأسه بفضل حكمة قيادته الهاشمية ووعي شعبه.
من المهم أن نعيد هذا كله إلى الأذهان ونحن نعيش حاليا ظروفا دقيقة وأحوالا غير مستقرة تعصف بالمنطقة والإقليم لنقول بملء الفم : إن بلدنا تعامل مع ظروف كثيرة لا تقل حساسية ودقة وتغلب عليها ، ولا يساورنا شك أننا قادرون على تجاوز ما يجري بكل اقتدار ، وأن ثقتنا في قدرة قيادتنا الهاشمية الحكيمة لا حدود لها ، كما أننا مطمئنون لقدرة جيشنا الباسل وأجهزتنا ألأمنية على التعامل مع كل المستجدات والتطورات.
فماهي أبرز التحديات التي تتهدد المنطقة ألآن ؟
أولا- الأزمة الخليجية : فلم يكن عربي صادق يتمنى أن تصل الأمور إلى هذا الحد بين الدول الشقيقة في منطقة الخليج ، فكلهم أعزاء وأشقاء ، وليس أصعب على المرء أن يجد نفسه في موقع المفاضلة بين شقيق وآخر. وقد اختار الأردن على الدوام موقع التوفيق والتقريب بين الأشقاء في أي خلاف ينشأ بين أي منهم. وأحسب أن هذا هو الموقع الأفضل لألف سبب وسبب. ومع ذلك فلا أحد يعرف كيف يمكن لهذه الأزمة أن تتطور وماهي انعكاساتها وآثارها على مجمل الوضع في المنطقة.
ثانيا -الوضع في سوريا: من الواضح أن موضوع الحسم في سوريا قد اقترب، ويبدو أن التفاهمات الدولية قد دخلت مراحلها الأخيرة لإنجاز حل ما في ذلك البلد المنكوب. ورغم أن صيغة هذا الحل قد لا تكون واضحة تماما، إلا أن تغييرات جذرية على صعيدي الجغرافيا والديموغرافيا قد تفرض واقعا جديدا يتعين على الجميع التعامل معه.
ثالثا-الفكر المتطرف: من الواضح أن داعش أصبحت بين المطرقة والسنديان في كل من العراق وسوريا، أو قل أنها تعيش أيامها أو أسابيعها الأخيرة. ولكن مرحلة المواجهات العسكرية الراهنة قد تكون الأسهل بالنسبة للفترة المقبلة وهي مرحلة هروب الناجين من أعضاء التنظيم الإرهابي إلى كل بقاع الدنيا وعودة الدواعش إلى بلادهم. وأبرز تحد تمثله هذه المرحلة يتمثل في التعامل مع هذه القنابل الموقوتة العائدة والتحديات الفكرية والأمنية المتوقعة.
رابعا- الحلول المحتملة للقضية الفلسطينية: يتم الترويج حاليا لعدة صيغ من الحل للقضية الفلسطينية ، ولكن ما يميز هذه الحلول جميعها هي أنها تستثمر حالة الانقسام الفلسطيني والفرقة العربية لفرض حل ما على الشعب الفلسطيني لا يضمن عودة حقوقه المسلوبة ولا صيانة هويته الوطنية ، ويبدو أن هذه الحلول تهتم فقط بمكافأة المحتل على احتلاله ، ويتصرف طارحوها وكأن الشعب الفلسطيني الأبي سيقبل بأي صيغة تعرض عليه ، وهو وهم ما بعده وهم.
خلاصة القول أن المنطقة تعيش فعلا على صفيح ساخن وأن المرحلة المقبلة ستشهد تحولات جذرية وتفرض على الجميع تحديات جوهرية.
ورغم هذا ، فإن الثقة بقدرة بلدنا على تجاوز كل هذه الظروف لا حدود لها ، ولكن المطلوب من المؤسسات الرسمية مزيدا من الاقتراب من النبض العام والتفاعل مع قضايا الناس بقدر أكبر من الشفافية ومواجهة القضايا بمسؤولية وجرأة مع التأكيد على أهمية الشفافية والعدالة والعمل الميداني والانسجام واقتران القول بالفعل.
أما على صعيد الشعبي فإن المطلوب هو مزيد من الوعي ورص الصفوف والالتفاف الكامل حول الوطن والقيادة ، فما يجوز في مرحلة السعة والترف يصبح غير مقبول في أوقات الأزمات والشدائد. كما أن التشكيك والمزاودة وإطلاق الكلام على عواهنه ونشر الشائعات يسهم في إضعاف الروح المعنوية وتحقيق الأهداف التي سيسعى لها اعداء الوطن.
لقد عشنا على حد السيف طوال حياتنا ، وتغلبنا على كل التحديات التي مرت بنا واجتزنا جميع العقبات التي واجهتنا بجرأة ورباطة جأش. ونحن قادرون على تجاوز الأخطار الراهنة التي تعصف بالمنطقة عصفا وتكاد تغير الملامح الجغرافية التي عرفناها وتعايشنا معها طوال العقود الماضية.
إن تحقيق الغلبة على هذه التحديات ممكن اليوم كما كان ممكنا في الماضي إزاء تحديات مماثلة، ولكن المطلوب من الجميع – حكومة وشعبا -الارتقاء إلى مستوى التحدي وإبداء أعلى درجات الوعي والاستنفار لمواجهة هذه التحولات الجوهرية والتغلب عليها.