facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss




الرغبة "البرستيجية"


م. أشرف غسان مقطش
13-06-2017 11:46 AM


تنتشر في مجتمعنا منذ فترة طويلة ظاهرة "العربيزية". فالكثير منا -وأنا أولكم- يقوم يحشو بطن حديثه بالعديد من الكلمات غير العربية، الإنجليزية غالبا.

ومنذ زمن قريب بدأت بالظهور في مجتمعنا ظاهرة إطلاق أسماء أجنبية على المواليد ذكورا كانوا أم إناثا –وحظ الإناث من تلك الأسماء مثلي حظ الذكور- ، وحتى الكلاب والقطط نالت قسطا لابأس به من الغنج والدلال بأسماء أعجمية ما أنزل الله بها من سلطان!

فما هو الدافع الذي يدفع "أبو عرب" للتفنن بحشر كلمات إنجليزية عادة وفرنسية أحيانا ومريخية نادرا وسط كلمات عربية؟

يقول المرحوم بإذن الله عالم الإجتماع الأميركي فبلن: إن أفراد الطبقة العليا، أو الطبقة الإستحواذية كما يسميها، يسعون بطريقة ما أو أخرى نحو إبتكار أي فارق ظاهري أو إصطناعي يميزهم عن أبناء الطبقات الدنيا. ومن أهم هذه الفوارق في نظره، هي اللغة.

لعلني لا أغالي إذا قلت أن نظرية فبلن هذه لا تخلو من أخطاء جوهرية في تفسير طبيعة الانسان وسلوكياته.
فربما لا أكون مخطئا إذا قلت أن الإنسان مهما كانت حالته المادية، ومهما كان وضعه الإجتماعي، ومستواه العلمي، وبغض النظر عن مدى تدينه أو إلحاده، توجد لديه رغبة كامنة في أعماق وجدانه تدفعه للبحث دوما عن أي فارق يجعله مميزا عن غيره من الناس.

هذه الرغبة إذن موجودة عند كل الناس، لكن على درجات متباينة؛ فتجدها في أدنى درجة عند الذي يسجل إسمه على الدفتر لدى "الفران" حين يشتري خبزه كفاف يومه، وعند الذي يشتري ملابسه من "البالة"، بينما تجدها في أعلى درجة عند الذي يشتري الخبز بالربطات من المخابز الآلية ثم يعطي كلبه الأمين ما زاد عن حاجته من الخبز، وعند الذي يشتري ملابسه من وكلاء العلامات التجارية التي تغص بها "المولات".

والرغبة هذه موجودة عندي وعندك عزيزي القارئ رغما عن أنفي وأنفك لا بإرادتنا المسلوبة من قبل الإيحاءات النفسية والإجتماعية التي تناوب على غرسها في بواطن أنفسنا منذ نعومة أظفارنا كل من البيت والحضانة والحارة والمدرسة والمجتمع.

ولا تندرج هذه الرغبة في إطار أي من رغبات الإنسان الأساسية التي حصرها أغلب العلماء في ثلاث رغبات رئيسية، ألا وهي: الحياة، والجنس، والشهرة. وهي ليست موجودة في هرم ماسلو للحاجات الإنسانية.

إنها –على بلاطة- الرغبة "البرستيجية"! وأعني بها هنا الرغبة بالتميز. لا كما قد توحي لفظتها بالرغبة بالحظوة أو بالسمعة أو بالشهرة أو بالمنزلة أو بالوجاهة أو بالمكانة أو بالإعتبار أو بالمقام!
لربما لا أجانب الصواب إذا إفترضت أن "البرستيجية" هذه هي التي اخذت بيد الطابع العام للهجتنا بالتغيرلا بالتطور -واشدد هنا على التغير لا التطور- من البدوية-القروية إلى المدنية-الفصحى وصولا إلى "العربيزية" حفظها الله ورعاها!

ولن تكتفي كبرة "البرستيجية" بتغيير الطابع العام للهجتنا عند حضرة "جناب العربيزية"؛ بل هي في حركة دائبة مستمرة لا تكل ولا تمل، ولا تقف عند حد معين، ولربما تصل بتغير لهجتنا إلى لهجة جديدة كليا لا تمت بصلة لا من قريب ولا من بعيد بلغة الضاد.

والرغبة "البرستيجية" هذه هي الدافع الذي يجعل إحدى النشميات الحسناوات تنتظر حوالي الساعة في طابور أطول من يوم الجمعة لشراء "ايفون 7" مع أنك قد تشاهدها تتكلم مع أحد المعجبين بها من خلال "آيفون أس 6". وهي التي تجعل "ابو العبد" ببيع مصاغ "أم العبد" لشراء رقم فريد بترميز مميز لسيارته "الكوري"!

هذه "البرستيجية" فيها من الحسنات ما يشجعنا على مدحها، وفيها من السيئات ما يحفزنا على ذمها! يعتمد ذلك على أفعال الإنسان النابعة من "البرستيجية خانوم" القاعدة على قلبه! فإذا سهر الإنسان الليالي طلبا للعلا في شهادته العلمية مثلا لا حصرا ليشتري بعرق جبينه سيارة آخر نسخة مع نمرة مميزة من أربعة أرقام أو ما دون، قلنا قصيدة مدح في "البرستيجية"! اما إذا قام الإنسان بسرقة المال وتلقي الرشاوي لكي يشتري آخر نسخة لل"آيفون" أو "السامسونج" مع رقم مميز، قلنا قصيدة هجاء في "البرستيجية"!

ف"البرستيجية" إذن خير وشر في آن واحد! فهي قد تدفع عجلة تطورالمجتمع نحو الرقي والإزدهار إذا كانت نسبة كبيرة منه على شاكلة من يسهر الليالي طلبا للعلا، وهي قد تسحب عجلة تطور المجتمع نحو التخلف والفساد إذا كانت غالبيته على شاكلة من يبرر تحقيق غايته بأية وسيلة قد يتبعها، والمقياس الفيصل في ذلك هو الإنسان كان برجوازيا أم صعلوكا!





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :