أكاد أجزم أن تسعين بالمائة من متابعي سلسلة مقالب رامز جلال، يدركون في قرارة أنفسهم أن ثمة جزءا تمثيليا متقن الصناعة، يتضمنه المقلب. ومن البديهي أن نسبة كبيرة من هؤلاء لا يريدون الاعتراف بإحساسهم الداخلي، لضمان متابعة متكاملة تمتد لثلاثين يوما، اعتادوا أن تكون فقرة ثابتة في يومياتهم الرمضانية.
هذا التواطؤ اللذيذ مع صناع البرنامج الذي امتد عمره لسنوات، هو بالضبط ما يعتمد عليه رامز وشركاؤه لاستمرارية عروضه المتقنة، والتي قرأنا وسمعنا عن تكلفتها الرهيبة، لتخرج إلينا بهذا الشكل القريب إلى الواقع.
المضحك في الموضوع هو حالة الانفصام التي خلقتها مثل تلك البرامج، ما بين الرغبة الشديدة في التصديق أن الفنانين يقعون في الشرك هكذا بكل بساطة بدون أن تكون تلك أدوارا مرسومة، حتى مع وجود “ميكروفونات” معلقة بملابسهم، وبين محقق كونان المختبئ داخل كل متابع يسعى إلى تفنيد الأسباب المؤدية للتصديق، ومنها أن وجود “الميكروفونات” أمر طبيعي جدا وسط الصحراء!
كثيرون من الضيوف المفترضون كانوا جزءا من لعبة لا نعرف تماما، متى بالتحديد انضموا إليها، إن كان قبل أو أثناء التصوير، خصوصا في الجزء الأخير الذي يبث حاليا، والمعتمد اعتمادا كليا على مشاهد ومقاطع لا يمكن إن لم يكن استحالة أن تكون على أرض الحقيقة في يوم من الأيام، حتى لو ظهرت حقيقية لنسبة تقترب لمائة بالمائة.
المشكلة في الواقع، إن تجاوزنا جزئية الملايين المدفوعة لاستكمال عناصر العرض، الذي وضع رامز جلال يده بكل ذكاء وبشكل حصري عليه، المشكلة هي الارتكاز والركن بأريحية كبيرة على سطحية المستقبل العربي، باعتباره ما يزال يعيش في حقبة المشاهدة ثنائية الأبعاد. وهذا بالمناسبة هو أسلوب الإعلام العربي عموما في التعامل مع أي قصة أو قضية أو حدث يخص المشاهد العربي.
يغيب عن بال المنتجين الأذكياء حقيقتان في غاية الأهمية؛ أن ثورة التكنولوجيا المتفجرة يوما بعد يوم، تصل لأصغر متلقّ في العالم ويتعامل معها ويعتاد عليها، كعضو أساسي في يومياته المتجددة دوما. فهي ليست حكرا على أصحاب القنوات والأموال والنفوذ يحتكرونها لأنفسهم. والحقيقة الثانية هي أن المستقبل العربي خصوصا، وبعد مقالب الكذب والتدليس والمراوغة في التعامل معه خلال السنوات الطويلة الفائتة عبر البرامج والأخبار وحتى الإعلانات والمسلسلات، صار يبني حكمه على المادة الإعلامية على مبدأ الشك أولا، حتى تثبت الحقيقة.
لسنا ضد برامج الترفيه والتسلية، لأن المبدأ الأول للإعلام والفنون هو تحقيق تلك الغايتين، قبل أن تدخل إلى الساحة مدرسة الواقعية. لكن ما الضير لو كانت فقرات التسلية حقيقة فعلا، وأقل كلفة وجهدا وإثارة، تعتمد على أفكار بسيطة وخلاقة في الوقت نفسه، كما كانت برامج المقالب مثلا منذ سنوات ما قبل رامز جلال؟
هذه الملايين المدفوعة لفنانين يعرف غالبيتهم النص المكتوب لهم جيدا، كان من الممكن أن تنتج أعمالا عظيمة سواء فنية أو إعلامية أو إنسانية، وتشغل نفس الممثلين وغيرهم من غير المحظوظين، في الظهور عبر برامج المقالب والحصول على مكافآت فلكية.
هذه الملايين كان يمكن أن تفعل أكثر من ذلك، بدون أن يكون للأمر علاقة برمي الشجرات المثمرات، كأن تنقذ مرضى الكوليرا في يمن حزين على شعب يموت من الحرب والفقر والمرض. وآخرين في مناطق ليست بعيدة أكلوا مقالب في حياتهم خلال الأعوام السبعة الماضية، حتى نفد الضحك والبكاء من فوق وجوههم. لا داعي للتذكير بهم، حتى لا نتهم بالنكد والتنكيل بالأعمال العظيمة.
الغد