العنف في السجون بين المساجين والسجانين
سارة طالب السهيل
10-06-2017 11:10 AM
تعتبر السجون وسيلة من وسائل الدول لحماية المجتمع من مخاطر العنف والجريمة التي يرتكبها المجرمين، كما انها فاعلة لعقاب المجرمين عن أفعالهم المشينة في حق المجتمع ، بجانب دورها الاصلاحي تهذيب سلوك نفوس نزلائها، لكنها في بعض الأحيان قد تكون وسيلة للتعذيب والنيل من بعض الأشخاص لأسباب عديدة، بما يقود لانفجار هذه السجون عبر تبادل العنف والاجرام بين نزلائها، واحيانا بينهم وبين سجانيهم.
وما يبرهن على ذلك أحد التقارير التي تناولت وضع السجون في الولايات المتحدة الأمريكية، استخلص من معلومات جمعت من مائتي سجين، موزعون في سبع و ثلاثين ولاية، إن أكثر ما يتعرض له السجناء هو الإيذاء الجسدي من قبل النزلاء أنفسهم، وهو ما دفع إلى دعوة مجلس الشيوخ لإصدار تشريعات لتنظيم السجون وحماية المسجونين.
السجن في العصور القديمة
النشأة الاولي تاريخيا للسجون كما كشفت الآثار القديمة كانت في العصر البابلي في عام 1750 قبل الميلاد. بوصفها أمكنة لاحتجاز المجرمين وإبعاد خطرهم عن بقية الأشخاص. ويكون احتجازهم في مكان نائي، كنفيهم خارج بلادهم إلى أماكن مهجورة، أو احتجازهم داخل بلدانهم مع حجر الكثير من حرياتهم التي كانوا يحظون بها.
مع مرور الزمن تطورت مفاهيم السجون عبر إدخال الجانب الإصلاحي اليها ، حتى أصبح الكثير من السجون يطلق عليها السجون الإصلاحية، والتي تهدف للتخلص من شرور المجرم وحماية المجتمع منها، بجانب محاولة استخراج الشخص الجيد من داخله، ومحاولة جعله شخصا أفضل للعالم.
جرت أول هذه المحاولات الإصلاحية في القرن السابع عشر، عندما أنشئت "المنازل التصحيحية" ، وهي أقرب مثال إلى السجون الإصلاحية. وكانت هذه المنازل تستقبل المجرمين الذين ارتكبوا جرائم صغيرة إما بدافع الفقر أو الجهل، وكانوا يقومون بإدراجهم في أعمال يتحصلون منها على لقمة عيشهم. حتى أصبحت هذه المنازل قوة في سوق العمل، وأصبح المجرمين هؤلاء بإمكانهم التكسب من أعمالهم، وعدم الاحتياج إلى إثارة خوف المجتمع.
العنف في السجون
تغلف ظاهرة العنف مفردات حياتنا اليومية في كل المجتمعات على حد سواء، ولكن العنف الذي يكون اكثر ضراوة يقع داخل السجون بين المساجين انفسهم، وبين المساجين وسجانيهم، فالعنف يعد واقعا يوميا في سجون كثيرة، وقد يبدو أمرا طبيعيا باعتباره يجمع بيئة المجرمين بثقافتهم العدوانية.
ولكن هذا العنف والإكراه بين السجناء في كثير من البلدان ، يؤدي إلى مخاطر صحية شديدة، نتيجة وقوع اعتداءات بدنية قد تصل إلى القتل، في السجون التي يعاد إليها السجناء ،وأحيانا حتى في المستعمرات العقابية.
وقد تقع الاعتداءات بين السجناء وحراس السجن، وربما أكثر بين السجناء أنفسهم، وان كان كثيرا من هذه الاعتداءات لا يتم الإبلاغ عن معظمها، خاصة الاعتداء الجسدي بين السجناء ويغلفه قانون الصمت.
الدارسون في علوم الجريمة واحوال المسجونين، يرصدون أسبابا كثيرة للعنف في السجون، منها وقوع المصادمات لأسباب عرقية، أو منافسات بين العشائر والعصابات. ومنها تأثير ظروف الحياة المنغلقة داخل السجون، وما صاحبه من تكدس ومن ثم انتشار العداء والتناحر بين النزلاء.
ولعل انعكاس الروتين اليومي لحياة السجين داخل محبسه، وما يشعر به من فراغ ذهني وعاطفي او جسماني يؤدي به الي الشعور بالإحباط والملل والتوتر العصبي. ولذلك تشيع في بيئة السجن استعمال المخدرات، والرذيلة بين الرجال، والوشم، والأنماط الأخرى من أعمال " أخوة الدم " .. وغيرها .
وقد يشارك بعض المساجين في تلك الأنشطة لمقاومة الملل، بينما يضطر آخرون إلى المشاركة فيها، في عمل إكراهي من آجل تحقيق سلطة أو مكسب مالي . يمكن أن تؤدي أساليب الحياة الخطرة إلى انتقال الأمراض من سجين إلى آخر، وهو ما يمثل خطورة شديدة على الصحة العامة إذا لم يتوقف.
وتبقى ممارسة الجنس بين نزلاء السجن اشد حالات العنف خطورة، لما يرتبط به من انتشار مرض نقص المناعة «الايدز». وللأسف فان بيئة السجن العنيفة تؤدي بكثير من النزلاء الضعفاء، او من هم من طبقات أدنى اجتماعيا، إلى قبول أعمال رذيلة، كانوا يتجنبونها، فضلا عن انتشار « الايدز» نتيجة تعاطي المخدرات بالإبر، وهو ما يتطلب نشر الوعي بين العاملين الطبيين والحراس بمخاطر هذه الاتصالات، وبوسائل تجنب التلوث ومكافحة الايدز بين النزلاء.
سيسيولوجيا السجن
تبارى العديد من العلماء شرقا وغرب في دراسة أدبيات سيسيولوجيا السجن، ومنها دراسة للدكتور عبدالله غانم، أجريت في السودان على نزلاء احدي السجون من منظور سوسيولوجي ونفسي وقانوني، وتوصلت هذه الدراسة الى مجموعة من النتائج الخطيرة اهمها :
إن السجون تضم أميين ومتعلمين، لكن نسبه الأميين أعلى من نسبة المتعلمين، وإن الجرائم اغلبها جاءت ضد المال العام والخاص، تليها جرائم الاعتداء على الإنسان ،ثم جرائم القتل.
كما كشفت النتائج عن ان جرائم النزلاء من الأميين والمتعلمين كانت ضد التنمية والأمن، لكن الأميين أكثر تأثيرا لأنهم أغلبية في السجون، كما توجد علاقات ترابطية بين الأمية والجريمة.
وقد توصلت إلى مجموعة من التوصيات منها، إن توسع ادارة السجن إمكاناتها في عمل حلقات محو الأمية للنزلاء الأميين. ربط حلقات محو الأمية بالأمية المهنية حيث يتخرج النزيل بعد الإفراج عنه بمهنة، وأن تشمل حلقات محو الأمية برامج دينية تقوى الجوانب الإيمانية والأخلاقية عند السجين. وإن يوجه الاهتمام إلى البرامج المهنية كالحدادة والنجارة والكهرباء والميكانيكا، حتى يجد الأمي فرصة للعمل ويسهم في عملية التنمية. والعناية ببرامج الفقر والنزوح باعتبارها من مؤثرات التفكك الأسري، وازدياد الأمية في البلاد.
كما أجريت دراسة اجتماعية على العنف بين السجناء هدفت إلى التعرف إلى طبيعة العنف في السجن سواء من حيث انتشاره وأشكاله وأنماطه والأسباب المؤدية إليه، وما يترتب عليه من أضرار. وبينت إن العنف في أغلبه يدور بين النزلاء و يكاد ينعدم بينهم .
أما عن أكثر أنماط العنف انتشارا بين النزلاء السب والشتائم والضرب واستخدام الآلات الحادة وتشويه الذات . ويرجع ذلك إلى سببين رئيسيين هما: أسباب العنف المرتبطة بالسجن كبيئة مكانية وتتمثل في عدم توفر الشروط المعيشية والصحية الملائمة في السجن وعدم وجود أنشطة كافية لشغل أوقات الفراغ، وكذلك عدم وجود تسهيلات في الزيارة و أماكن مناسبة لها.
وأسباب مرتبطة بطبيعة الحياة الاجتماعية بين النزلاء في السجن و تتمثل في المعاملات المادية بين النزلاء، وسرقتهم لبعض متعلقات أقرانهم والقمار والاغتصاب و الاعتداء الجسدي.
في حين أن دراسته عن سجن النساء تعد من الدراسات الرائدة في تحديد أنماط العنف وعوامله بين السجينات حيث أظهرت الدراسة أن اقتراض الأطعمة والسجائر والشذوذ والغسيل والحمام وتنظيف العنبر وإطفاء النور ومشاجرات أبناء النزيلات من أكثر العوامل المؤدية إلى العنف في سجن النساء.
أما دراسته الثالثة فهي دراسة مقارنة على مجموعة من السجون العربية التي أظهرت أنه في داخل السجن توجد مجموعة من النزلاء الذين يتمتعون بالمكانة و القوة و النفوذ و هم السبب الأول في حدوث الشغب و أعمال العنف داخل السجون، اضافة إلى أن هذه الجماعة تكرس ثقافة الجريمة في نفوس النزلاء من خلال توريط بعضهم في المشاركة في أنشطة ممنوعة داخل السجن كبيع المخدرات والمقامرة وممارسة الشذوذ و الرذيلة.
اكثر السجون عنفا في العالم
تنتشر في العالم العديد من السجون الأشد عنفا بين نزلائها وبين سجانيها ومنها سجن بانج كونج في تايلاند والملقب ب“هيلتون بانكوك”، لشهرته في تعذيب نزلائه وتكديسهم بزنزانات ضيقة.
وسجن جزيرة رايكرز بالولايات المتحدة الأمريكية، ومعروف بانتشار اعمال العنف داخله الى الدرجة التي يشكو فيه حراسه خوفًا على حياتهم من الجرائم التي تتم خلف قضبانه. أما سجن لاسابانيتا في فنزويلا، فيشهد العديد من أعمال الشغب والاغتصاب، والكثير من الأحداث الدموية، ففي عام 1994 قُتل نحو 108 سجين في أحداث عنف وشغب، وفي العام 1995 لقي 196 سجين حتفهم وأصيب 624 آخرون في أحداث دموية. أما في عام 2012 فقتل 591 سجينًا، وفي العام 2013 ارتفع العدد إلى 607 قتيلًا.
معتقل غوانتنامو الأمريكي في كوبا، وهو الأشهر في العالم، كسجن سيء السمعة، بدأت السلطات الأمريكية باستعماله في سنة 2002، بعد أحداث الحادي العشر من سبتمبر 2001، وبعد انطلاق الغزو الانجلو أمريكي لأفغانستان، وذلك لسجن من تشتبه في كونهم إرهابيين.
ويعتبر مراقبون أن معتقل غوانتنامو تنمحي فيه جميع القيم الإنسانية وتنعدم فيه الأخلاق ويتم معاملة المعتقلين بقساوة شديدة مما أدى إلى احتجاج بعض المنظمات الحقوقية الدولية إلى استنكارها والمطالبة لوقف حد لهذه المعاناة واغلاق المعتقل بشكل تام.
أما سجن ديار بكر في تركيا ، فيشتهر بتاريخه المظلم في معاملة المحتجزين، ويتلقى فيه المجرمون أشد أنواع العذاب على يد حراس السجن. ولم يكن العنف المصاحب لهذا السجن آت من المساجين فحسب ولكن من السجانين أيضاً. ففي عام ٬1996 قام السجانين والشرطة بالاعتداء على المساجين وقتلوا 10 منهم وجرحوا 23 آخرين.
وكذلك سجن أبو غريب في العراق، الذي تم فضح التعذيب فيه عبر بث تم عرض صور مريعة لطرق تعذيب للمساجين العراقيين وإذلالهم وتصويرهم وتكديسهم عراة من قبل الجنود الأمريكيين وقد سميت بـ فضيحة أبو غريب.
قنبلة موقوتة يبقي العنف داخل السجون قنبلة موقوتة تنفجر في وجه مجتمع السجون سواء كانوا مجرمين او سجانين وتهدد حياتهم يوميا، ولعل الأخطر من ذلك ان من يخرج المحكوم عليه من السجن بعد قضاء مدة عقوبته ليكون هو الاخر قنبلة موقوتة تنفجر بعنفها واجرامها في وجه المجتمع، وذلك بعد ان تشبع وخالط كل صنوف الاجرام داخل محبسه، وتشرب ثقافة العنف كما الماء والهواء.
وفي تصوري اننا بحاجة لوضع استراتيجيات لمعالجة العنف داخل السجون تبدا بحماية المساجين من العنف البدني والجنسي عبر توفير بيئة آمنة للنزلاء جميعا.