فجأة يضرب "الإرهاب الداعشي" قلب طهران ويطال رمزين مهمّين للغاية، ضريح الخميني، ومبنى البرلمان، بعد حصانة ومنعة لهذه العاصمة ضد الإرهاب على مدى أكثر من ثلاثة عقود، فقد بقيت طهران هادئة وتنعم بالأمن والآمان في عز "فورة" الإرهاب زمن القاعدة وزمن داعش، ولهذا ليس من السهل تقبل وقوع هذا العمل الإرهابي المفترض بدون تدقيق وتحليل، خاصة أنه تزامن مع أحداث إقليمية غاية في الأهمية والحساسية، أزمة قطر مع السعودية ومصر والبحرين والإمارات، وتزايد وتيرة الاتهامات لطهران خليجياً وأميركيا بأنها "راعية وداعمة" للإرهاب، وتحديداً بعد القمة العربية – الأمريكية بالرياض.
ما يدفعني للتشكيك بهذا العمل وتغليب فرضية أنه مدبر من قبل أجهزة النظام الإيراني هي النتائج المترتبة عليه والتي تخدم إيران بصورة مباشرة ومنها ما يلي:
أولاً: جاء تبرير الهجوم في التسجيل المصور لمنفذي الهجوم الذي بثته وكالة " أعماق "التي تُعرّف نفسها على أنها أحد الأذرع الإعلامية لداعش طائفياً بحتاً، حيث وصف المنفذون المفترضون "الإيرانيون الشيعة" بأنهم "أتباع اليهود ، كما دعا المتحدث بالفيديو جميع المسلمين السنة في إيران إلى قتال الشيعة في أي مكان من البلاد، ويعتبر هذا التبرير الطائفي واحداً من أركان الدعاية السياسية الإيرانية التي تبرر ممارسات إيران الإرهابية بحق السنة سواء أكانوا عربا أو إيرانيين.
ثانياً: إن توقيت العمل الإرهابي المفترض يهدف إلى إظهار إيران كضحية للإرهاب في محاولة منها لنفي تهمة الإرهاب التي توجه لها من معظم دول العالم وبخاصة من أميركا والدول العربية المعتدلة.
ثالثاً: إن إسراع إيران وعلى لسان عدد من المسؤولين إلى اتهام السعودية بهذا العمل "الإرهابي" يقودنا بالضرورة إلى تبني نظرية المؤامرة ، فطهران لا تريد فقط أن تظهر بمظهر الضحية للإرهاب، بل تريد إلصاق التهمة بالسعودية كنوع من الرد على قمة الرياض والتوجهات التي خرجت بها والتي أشارت بوضوح إلى الدور الإيراني برعاية الإرهاب بشقيه السني والشيعي، وليس من المستبعد أن تقوم الأجهزة الأمنية الإيرانية بتلقين إرهابيين مفترضين باعترافات متلفزة تتحدث عن دور السعودية في رعاية هذا العمل، وهي "عملية خداع دأبت إيران على ممارستها في العراق، وأتقنها أيضاً حليفها النظام السوري في دعايته المضادة ضد الثورة السورية وتحديداً المعارضة المعتدلة في إطار خطته "لشيطنة الثورة السورية" وإبرازها كعمل إرهابي وبخاصة بعد الأشهر الأولى من الثورة.
رابعاً: سيساهم هذا العمل الإرهابي المفترض في زيادة شعبية النظام والالتفاف حوله، فالهجوم على مرقد الخميني يعد مسألة إعلان حرب دينية وكفر وزندقة لدى الجمهور الإيراني الذي تشبع على مدى عقود عبادة شخص الخميني وتقديسه.
أعتقد أن هذا التوجه الإيراني سيتواصل في إطار الدعاية السياسية الهادفة لتبرئة إيران من تهمة الإرهاب وإلصاقها بأطراف عربية أو غربية على غرار النهج الذي اتبعه نظام بشار الأسد وهو ما يستدعي من الدول والأطراف المتضررة من الإرهاب الإيراني العمل على كشف تفاصيل العلاقة السرية والتاريخية بين القاعدة ولاحقاً داعش مع الأجهزة الأمنية الإيرانية التي استخدمت هذين التنظيمين أسوا استخدام في تبرير حربها الطائفية على السنة في العراق وسوريا واليمن.
24: