ذكرى الثورة العربية الكبرى بين الامس و اليوم
اللواء المتقاعد الدكتور مفـلح الزيدانين
09-06-2017 05:02 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
بدأت الثورة العربية الكبرى في 10 حزيران 1916 تحمل شعار الثورة على الظلم والاستبداد الذي تعرض له العرب، ثورة على القهر والتجهيل، دام أكثر من أربعمائة عام، أعدم فيها أحرار العرب في الحجاز والعراق وبلاد الشام. ثورة على سياسة التتريك واحتقار العرب وتردي الوضع الاقتصادي والأمني في المنطقة. ولكنها نهضة لرؤية المستقبل المشرق في التخلص من الدولة العثمانية ومن سياسة التجهيل، لاستبدالها بالحرية ورؤية المستقبل المشرق، حيث أزاحت هذه النهضة الظلام الذي كان يغطي المنطقة لأكثر من أربعة قرون. و تكمن بذور هذه النهضة في التطلعات القومية العربية، والرغبة في بناء دولة عربية تنقل العرب من عهد الانحطاط والتخلف إلى الارتقاء الحضاري، والتخلص من سياسة قادة الأتراك المتغطرسة.
قامت الجمعيات العربية بالاستنجاد بالشريف الحسين وأولاده للتخلص من هذا الظلم والقهر، والذي تمثل في التجنيد الإجباري ومصادرة الأملاك والتجهيل وتفشي الفقر والسياسة القمعية لجمال باشا السفاح، الذي صب غضبه على الضباط العرب وأعدم الكثير منهم وخاصة بعد فشل حملته في قناة السويس، وهذا دفع أحرار العرب وقادة الحركة العربية في المشرق بالطلب والضغط على الشريف الحسين بن علي - طيب الله ثراه - للتعجيل في إعلان الثورة حيث استجاب الشريف الإنسان الذي حمل هم العرب لطلبهم. وكان لهذه الثورة على الظلم والرغبة في التحرر عدة أهداف منها:
- الرغبة في بناء دولة عربية تنقل العرب من عصر الانحطاط والتخلف الى الارتقاء الحضاري.
- التخلص من موقف وسياسة القادة الأتراك ومعاداتهم للعرب.
- الحلم الذي يراود العرب برؤية النور وأمل المستقبل والذي وجدوه في شخص الشريف الحسين بن علي - طيب الله ثراه - وأولاده.
- التخلص من الجهل والفقر وسياسة القمع.
لذلك جاءت النهضة العربية الكبرى لترى بلاد الحجاز والعراق والشام النور والعلم والمعرفة، حيث لبّى الشريف الحسين بن علي - طيب الله ثراه - طلب قادة العرب، وأطلق الرصاصة الأولى، مضحيا في ملكه لأجل تخليص المنطقة من الظلم والجور والتجهيل. وهي الثورة الوحيدة التي لم تحمل السلاح ولا المادة ولكنها حملت القيّم والمبادئ والأمل. حيث ظهر فجر جديد في المنطقة وهو فجر العلم والمعرفة والتخلص من الجهل. وها نحن ننعم الآن في نتائجها بمدة وجيزة مضى عليها مائة عام وعام، وصلت فيها المملكة الأردنية الهاشمية إلى مستوى عالي من التقدم والعلم والرقيّ لم تحققه بعض الدول في أكثر من خمسمائة سنة.
المحلل السياسي والاستراتيجي المتتبع إلى النهضة العربية الكبرى، يجد بأنها قامت بموجب خطط استراتيجية شاملة تم دراستها بعمق، حيث احتوت على رؤيا واضحة المعالم. وهي الانتصار للعرب من الظلم العثماني الشامل. (الظلم السياسي والاجتماعي والاقتصادي والعلمي والأمني وسياسة التجهيل) وغيرها من شتى أساليب الظلم. وكما قامت على طلب اهل المنطقة من الشريف الحسين بن علي -رحمه الله -بتحريرهم من الظلم العثماني. وهي الثورة الوحيدة في العالم التي قامت على عمق الفكر في كيفية انقاذ وتخليص العرب من الظلم، حيث حملت القيّم والتسامح. وكانت رسالتها منهجية متميزة ومتجددة، سعت للتخلص من الاستعباد، وكانت أهدافها واضحة المعالم، منها إقامة العدل وتعزيز الحرية والوحدة بين المجتمعات وتأسيس قوة إنسانية متجددة تتميز بالمواطنة، فتكون قادرة على ردع الفساد وتدمير الطغيان ووقف الإرهاب ومحاربته، ولم تكن فقط لحماية الإنسان كجسد ولكنها جاءت لحماية القيّم. والانتصار للإنسان وحماية تاريخه وحقوقه وتوفير الأمن له.
من نتائج هذه النهضة السياسية والفكرية والاقتصادية والاجتماعية والامنية، نعمة الأمن والاستقرار التي نتمتع بها اليوم في بلدنا المملكة الاردنية الهاشمية، وهي من النتائج التي سعى الشريف الحسين بن علي لتحقيقها عند الاستجابة لطلب أحرار العرب للتخلص من جور وقهر الدولة العثمانية .وهذا يجب أن يقابل من قِبَل الجميع بالشكر والامتنان لله عز وجل، ثم للقيادة الهاشمية التي طبقت و نفذت خططها ورسالتها واهدافها، التي رسمتها لها قيادة الثورة العربية الكبرى. والتي أسست مجتمع قائم على منظومة من القيّم الإنسانية التي تحترم كرامة الإنسان وتعظم عقله وفكره، بغض النظر عن دينه وأصله ومعتقداته.
وفي النهاية سعى جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين حفظه الله ورعاه، ومنذ تسلمه سلطاته الدستورية، للمحافظة على الرسالة الانسانية للنهضة العربية الكبرى؛ والسعي للوصول الى الأهداف التي وضعتها النهضة . والتي تميزت بالتسامح والعفو، المبني على الفكر، والقوة والحزم والعزم في محاربة الإرهاب، وتجفيف مصادره، ومحاربة الخوارج الذين اساؤوا الى الدين الاسلامي الحنيف، والجهد المتواصل لحل القضية الفلسطينية والدعوة إلى حوار عالمي أساسه التفاهم، بما يعزز مفاهيم التعايش وإحقاق العدالة، ونشر السلام والمحبة بين شعوب الإنسانية جمعاء؛ وما جاء في الأوراق النقاشية لجلالة الملك هو ترسيخ للمبادئ التي قامت عليها النهضة العربية الكبرى في تحقيق الأمن والازدهار للشعب الاردني، و تعزيز الديمقراطية ، والاصلاح السياسي ،ومشاركة المواطن في صياغة القرار الاستراتيجي على مستوى الدولة والمؤسسات ،والرؤيا الشاملة لجلالته في تعزيز سيادة القانون وتطوير القضاء والنظرة المستقبلية للشباب من خلال تطوير التعليم، و الاستثمار في فكر الشباب ومعرفتهم وتوظيفهم بناءً على القدرة والعدالة وتكافؤ الفرص. ومما يعزز ذلك قول جلالته عند استلامه لتقرير اللجنة الملكية لتطوير الجهاز القضائي وتعزيز سيادة القانون" بان القضاء خط احمر ولابد من السرعة في تنفيذ التوصيات، وقوله وسأتابع ذلك شخصيا مع هذه اللجنة لتفادي اي تقصير في التنفيذ" وعليه يجب علينا أن نعرف كيف أصبحت بلادنا واحة أمن واستقرار، ويجب البناء على ذلك والحفاظ على هذه المكتسبات.