لا أستطيع أن أتخيل الرقم الذي يتحدّث عن عدد السيدات الأردنيات المدينات والمطلوبات للتنفيذ القضائي. الرقم غير الرسمي يتحدّث عن قرابة الـ35 ألف امرأة مطلوبة بديون وقروض ورطّتها بها صناديق دعم المرأة والبنوك المحلية، لذا سأترك الرقم ليتم نفيه أو تأكيده من الجهات المعنية، مع يقيننا التام بوجود آلاف الأردنيات الغارمات والمدرجات على جداول التنفيذ القضائي..
كما لا أستطيع أن أتخيل في الوقت نفسه، ان السيدة الأردنية العظيمة التي درّست أبناءها من أطباء ومهندسين وأساتذة جامعات وقياديين بالبيضة والدجاجة والبقرة الوحيدة والعنزات القليلات، وحياكة أطباق القش، والخياطة للسيدات الميسورات أصبحت مطاردة ومطلوبة للجهات الأمنية ليزجّ بها في السجن مع قضايا المخدرات والآداب والتسوّل.. الأردنية التي كانت منذ التاريخ أمّاً عظيمة ومربية مثالية ومنتجة من الطراز الرفيع، بيتها مملكتها الذي تنتج منه وفيه وتساهم ببناء مجتمعها وسد حاجياتها دون اللجوء إلى النصب أو الاحتيال أو الشحدة أو طرق أبواب الأغنياء.. من الذي أوصلنا إلى هذا الحال؟؟ من الذي خطط لتكون المرأة الأردنية مدينة وغارمة تقبل أن تتنازل عن أي شيء وتقوم بأي عمل خشية الا ترمى في السجن.. من؟
قبل أسبوعين كنت في زيارة لوزارة الأوقاف، تزامن وجدودي مع حضور بعض السيدات التي قامت وزارة الأوقاف مشكورة ولأول مرة في تاريخها بتسديد ديون الغارمات من صندوق الزكاة، هؤلاء السيدات جئن ليشكرن الوزارة على حمايتهن من المطاردة جئن بمحض الصدفة ولا يعرفن كيف ومن يشكرن المهم قدمن إلى الوزارة، أثناء وجودي في مكتب الوزير سمعت وشاهدت قصصاً تخجلنا جميعاً وتشعرنا بالذنب جميعاً وتتركنا نلوم أنفسنا جميعاً.. إحدى السيدات حضرت ومعها طفلها 4 سنوات يرافقها زوجها، تقول السيدة إنها اضطرت لأخذ قرضين من صناديق المرأة وأحد البنوك بقيمة 500 دينار لكل قرض، لتدفع أتعاباً لمحام كان قد توكل عن أبيها العاجز بقضية، حيث لا أخوة لها وهي البنت الكبرى.. وعجز زوجها الذي يعمل في ملحمة بـ280 دينارا عن السداد فأدرجت زوجته بالتنفيذ القضائي.. سيدة اخرى هجرت بيتها وأولادها وزوجها في العقبة خوفاً من الملاحقات القضائية وسكنت في بيت شقيقتها بدير علا من اجل 400 دينار على ما أذكر.. ثم جيء لي بدفتر الوصولات الذي خلّص عشرات الغارمات الأردنيات، كل المبالغ كانت تتراوح بين المئتي دينار والثمانمئة دينار، لم أر وصلاً بقيمة الف دينار الا واحد او اثنين وهذا يعني ان الديون كلها صغيرة! ...تخيّلوا ان يهدم بيته ويشرد اطفاله من اجل 300 دينار؟؟!.
أحد شروط صندوق الزكاة في التسديد كان الا تحمل السيدات الغارمات قيود جرمية أو أسبقيات في النصب او الاحتيال او السرقة او غيرها.. هن نساء بسيطات تعسّر حالهن وفشلت مشاريعهن فلم يستطعن السداد برغم نيّتهم الصادقة في الانتاج والعمل ومساعدة الأسرة.. هن أردنيات كريمات عزيزات التجأن للقروض عندما سدّت أبواب الخير في وجوههن، عندما منعنا الزكاة عن أهلها.. عندما أصبحنا أجشع من التصور.. سيدات أردنيات على قوائم التنفيذ القضائي وفي السجون من أجل قرض اخذ لعلاج او تعليم او سد حاجة..
مرة أخرى شكراً لحملات الشباب على مواقع التواصل الاجتماعي التي أنقذت المئات شكراً لوزارة الأوقاف التي قامت بدورها الذي حمى الأسر الأردنية الفقيرة العفيفة من الضياع والتفتيت.. والجهد القادم علينا جميعاً، مهمتنا الا ندع الأردنية تجوع او تضعف او تركع، أن تعود عظيمة كما كانت عظيمة في مملكتها و بيتها تنتج حسب استطاعتها وقدرتها لا نحملها ما لا تستطيع تحمله.. مهمّتنا أن نحمي الأردنيات العظيمات من مشاريع هدفها ان تطارد الأردنية وأن تجوع الأردنية وان تبيع حرّيتها وكرامتها مقابل رغيف خبزها...لكن خسئوا..خسئوا جميعاً.
الرأي