الأمن في خدمة السياسة والسياسة في خدمة الأمن!
شحاده أبو بقر
17-12-2008 12:07 AM
لم تعد المعالجات الامنية المباشرة للجريمة ايا كان نوعها هي الوسيلة الصحيحة لتحصين المجتمعات وضمان سلامة الجبهات الداخلية للاوطان ، فقد بات واضحا في عالم اليوم ان مراكز صنع القرار في الدول والمجتمعات المدنية مطالبة بتوفير الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المناسبة التي تحول دون نشوء الجريمة ابتداءً ، اذ من البديهي ان الجنوح نحو الجريمة ناجم اساسا عن مؤشر سياسي او اقتصادي او اجتماعي.. الخ.
وعليه فإن توظيف رجل الأمن في معالجة الآثار الناجمة عن الجريمة او منعها لم يعد هو الآخر الوسيلة الناجعة للتعامل مع هكذا واقع ، فالاصل ان لا تقع الجريمة وان لا تتفجر المشكلة عندما تكون الدولة قد اتخذت كل الاجراءات ونفذت من السياسات ما يمنع حدوث المشكلات سواء اكان ذلك على مستوى الافراد او الجماعات،
نعم هناك خارجون على القانون في سائر مجتمعات الدنيا وهناك جريمة منظمة وهناك مجرمون محترفون ، لكن ذلك كله يبقى استثناء في حياة المجتمعات التي حصنت نفسها ابتداء بتحقيق العدالة وتوفير العيش الكريم لانسانها بكل ما يتطلبه ذلك من اجراءات وسياسات تعليمية وعملية وصحية وخدمية وثقافية وأمنت علاقاتها الخارجية ومع المؤسسات المدنية فيها.
في السياق لا نبالغ ان قلنا اننا في الاردن وطن حقق ما يشبه المعجزة على صعيد الانجاز الذي يوفر البنية التحتية لحالة امنية محترمة ، وذلك بالرغم مما واجهنا من حروب ونكبات وكوارث وما نعاني من نقص في الموارد والامكانات وحتى الاساسية منها «الماء والطاقة» ، مثلما توجنا ذلك الانجاز التراكمي بانجاز امني مباشر يستند الى المعلومة والنباهة والحزم المحترم ، وبذلك بات بلدنا «والحمد لله» مضرب المثل كواحة امن وسط منطقة مضطربة مشحونة بالعنف والتوتر والخوف ، وفي ذلك نعمة نسأل الله ان تدوم بعونه ولمصلحة الجميع بلا استثناء،
نعمة الأمن لا تأتي من فراغ ابدا بل خلفها جهود جبارة لا تبحث عن شهرة وليس فيها منّّ من احد على احد ، وهي نعمة تطال الجميع بالخير في عدالة التوزيع ولا تتدخل فيها «الواسطة» ابدا ، لكنها وبصراحة لا تملك الصمود والى الابد ان لم يرفدها السياسيون بمشروعات وقرارات مبدعة تمنع ، وفي المطلق «لو جاز التعبير» بروز اية مبررات لضرب الحالة الامنية الوطنية او حدوث ثغرات يمكن ان ينفذ منها اعداء البلد ومن وصفناهم بالخارجين على النظام والقانون ، و من الطبيعي ان علاقات الدولة بجوارها وحتى خلف جوارها عامل اساسي جدا في توفير الظروف والاجواء الوطنية والقومية والانسانية اللازمة لديمومة الأمن الوطني الشامل ، ومن هنا اعطى ولي الامر في الاردن للقيادة الامنية المختصة دورا خاصا ومهما في البعد السياسي داخليا وخارجيا ، وتلك حالة ادركتها دول نابهة عديدة باكرا ووظفت القدرات الأمنية الجيدة في خدمة المصالح العليا للدولة ونجحت في ذلك ، والاردن اليوم وبحمد الله حالة اصيلة منها،
خلاصة القول ان الأمن في خدمة السياسة تماما كما هي السياسة في خدمة الأمن ، وان هذين الثابتين متلازمان لا انفكاك بينهما ابدا ، وليس غريبا ان رجل الأمن يصلح لان يكون سياسيا متميزا مثلما يصلح السياسي لان يكون رجل أمن في المقابل ، وليس سرا في القياس ذاته بأن نجاح السياسيين في تحقيق الاهداف الوطنية الكبرى والمصالح العليا للدول يتطلب حالة انسجام وتوافق وتعاون بينهم وبين الأمنيين والا فإن المهمة غاية في الصعوبة ان لم تكن مستحيلة.
الدستور.