الاغتراب الفكري والحضاري في المجتمعات العربية
د. ايهاب عمرو
06-06-2017 01:44 PM
يشعر الإنسان المثقف والمتحضر في عالمنا العربي بحالة من الاغتراب الفكري والحضاري أقل ما يقال عنها أنها شديدة الوطأة بسبب ضعف المنطلقات الفكرية، مع الاحترام، لدى معظم الناس وعدم رغبتهم حتى في التزود بالمعارف الضرورية بواسطة القراءة أو غيرها من الوسائل المفيدة كمشاهدة البرامج التلفزيونية المفيدة. إضافة إلى عدم قدرتهم على فهم الآخر المختلف سواء من ناحية اجتماعية، واقتصادية، وسياسية، وعلمية، وحضارية، وفكرية.
ولعل حالة الاغتراب تلك تؤدي إلى شعور الإنسان بعزلة عن محيطه الاجتماعي رغم أن الإنسان كائن اجتماعي بطبعه لا يستطيع أن يعيش دون الآخر حتى لو كان مختلفاً، وإنما يقوم بذلك رغبة منه في درء المفاسد الذي يكون في تلك الحالة أولى من جلب المنافع.
وأدت حالة الاغتراب تلك، إضافة إلى أسباب موضوعية أخرى، إلى هجرة كثير من الأدمغة من العالم العربي إلى الدول الغربية، وتفيد التقارير والأبحاث ذات العلاقة أن معظم الأدمغة في العالم العربي تهاجر إلى دول غربية لأسباب اقتصادية واجتماعية، كون أصحاب تلك الأدمغة قد لا يكون لديهم دخل مناسب في أوطانهم على الرغم أنهم من أصحاب الكفاءات، إضافة إلى حالة الاغتراب التي يعيشونها أو يعانون منها ما يضطرهم مجبرين إلى البحث عن مأوى أو مكان يشكل ملاذاً أكثر أمناً لهم ولعائلاتهم من ناحية اجتماعية واقتصادية.
ويلاحظ أن حالة الاغتراب تلك تزيد حدتها في الدول أو الأماكن التي تعاني من الحروب الأهلية والاضطرابات ما يؤثر على السلم المجتمعي ويدفع ببعض أصحاب الأدمغة من النخب العلمية والفكرية إلى البحث عن مأوى أكثر أمناً يكون ملاذاً لهم ولعائلاتهم، خصوصاً في ظل انتشار الفوضى والفلتان الأمني ما يحتم عليهم اتخاذ قرار مصيري بهجرة أوطانهم مع ما يكلف ذلك من جهد ونفقات وتحمل تبعات ذلك من النواحي كافة سواء كانت اجتماعية، واقتصادية، وحتى سيكولوجية.
وتفيد بعض الإحصائيات ذات العلاقة الصادرة في العام 2011 أن 50% من الأطباء و23% من المهندسين و15% من العلماء في البلدان العربية يهاجرون إلى الدول المتقدمة للأسباب المذكورة أعلاه. كما تفيد تلك الإحصائيات أيضاً أن 54% من الطلبة العرب الدارسين في الغرب لا يعودون إلى بلدانهم الأصلية بعد انتهاء مدة دراستهم.
إن حالة الاغتراب الفكري والثقافي والحضاري التي يعاني منها أصحاب الأدمغة في العالم العربي يمكن وضع حد لها بواسطة إيجاد ثقافة مجتمعية سلوكية جديدة تقبل الآخر المختلف فكرياً وحضارياً حتى لو كان من أبناء جلدتنا، والعمل كذلك على إنشاء نظام مؤسسي شبيه بما هو معمول به في الغرب المتحضر. نظام يؤمن بدور المؤسسة القائمة على مرتكزات وأسس علمية ومهنية صحيحة، بعيداً عن الشخصنة وسيطرة الفرد. ومع إيماني الشديد أن ذلك يعد من أكثر الأمور صعوبة، إلا أنه ليس من المستحيلات، خصوصاً أن العرب كانت لديهم حضارة مزدهرة عبر العصور وأصحاب ثقافة وعلوم اقتات عليها الغرب قبل عصر النهضة في أوروبا.