ربما يكون حادث قذف الصحفي العراقي" منتظر الزيدي" للرئيس بوش بحذائه حدث العام 2008 الابرز بامتياز، ولو رمزيا على الاقل ،وقد عكس ذلك حجم التعليقات والتفاعل الهائل الى درجة الاجتياح للصحف الاليكترونية ومواقع الصحف والمحطات التلفزيونية والاذاعية عبر الشبكة الاليطترونية ، وحملة التضامن الواسعة مع الزيدي عراقيا وعربيا ودوليا، والحادثة بالفعل " تاريخية" ستلتصق بذكرى أسوأ رئيس عرفه العالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وستبقى الشغل الشاغل للكثيرين الى اجل مفتوح ،فمن لم يطاله ضرر جراء غزوات وحروب بوش وعمليات التعذيب وانتهاكات حقوق الانسان التي ارتكبتها ادارته، فقد طالته شظايا الاعصار المالي والاقتصادي الذي ارتبط بنهاية عهده البائس، واخال ان كل احرار العالم ابتهجوا ب"حاثة الحذاء"،وشجاعة الصحفي العراقي منتظر الزيدي الذي لم يفته تبرير فعلته بالقول عند قذفه بوش بالفردة الاولى "هذه قبلة الوداع من الشعب العراقي يا كلب "،ورغم دقة الموقف اكمل عندما رشقه بالفردة الثانية " وهذه نيابة عن الارامل والايتام والاشخاص الذين قتلتهم في العراق "!.
ولعله من مفارقات ازهار عصر الانحطاط العربي ان "حذاء يرفع رأس أمة" بصورة رمزية، ويحرك مشاعر فرح كامنة لديها بصورة درامية ،كرد فعل عما لحق بها من ذل وهوان عبر عشرات السنين! ، لكن الطريف ان بوش استقبل قذفه بالاحذية" بروح رياضية" معتبرا ان ذلك يحدث في الدول التي تتمتع بالحرية والديمقراطية ،والغريب ان الرئيس تساءل عن سبب قذفه بالحذاء !ونسي حجم الكارثة والدمار الذي سببه احتلال قواته للعراق واحد نتائجه مقتل نحو مليون ونصف مليون شخص واضعاف ذلك من الايتام والارامل وملايين المهجرين،فضلا عما سببه الغزو من انقسام طائفي وعرقي عميق،وتداعيات سياسية وامنية واقتصادية اقليمية ودولية كارثية !.
نادرة هي حالات ارتباط اسماء رؤساء الدول بالاحذية ،فلم يسجل ان رئيسا قذف بالحذاء قبل بوش،يحدث كثيرا ان يقذف زعماء وسياسيون بالبيض والبندورة مثلا ،لكن الضرب بالاحذية حدث تميز به بوش كما تميز بسياساته الحمقاء ،والحادثة المثيرة التي ارتبط بها اسم زعيم دولة بالحذاء لكن بطريقة مختلفة ،هي ما قام به الزعيم السوفييتي الاسبق خروتشوف عام 1960 ،حينما نزع حذائه وهو يلقي خطابه امام الجمعية العامة للامم المتحدة وضرب الطاولة بالحذاء في اشارة تحد ، عندما كانت الحرب الباردة في ذروتها بين واشنطن وموسكو !،لكن بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وانفراد اميركا بالهيمنة على السياسة الدولية ،تعرض رئيسها لاهانة غير مسبوقة في بغداد التي ذهب اليها خلسة ليودعها !.
حذاء منتظر الزيدي ،قد يكون ثمنه لا يتجاوز بضعة دولارات ،لكنه اصبح جديرا بان يكون أغلى حذاء في العالم ، ولا يفوقه بالقيمة الرمزية أرقى انواع الاحذية من اشهر الماركات العالمية ،واظن ان الحذاء لو عرض في مزاد عالمي لتم شراءه بمبلغ خيالي ! ،صحيح ان المسؤولين العراقيين الذين استقبلوا بوش بحرارة وابتهجوا بزيارته" الوداعية" ،شعروا بانهم مستهدفين ضمنا بالحذاء ،لكن هذا الحذاء يستحق بان يوضع بالمتحف الوطني ، كأحد ادوات المقاومة السلمية للاحتلال ،الذي قذف به مجرم حرب ،يستحق محاكمة دولية ،ومطلوب الان حملة تضامن واسعة مع الصحفي منتظر الزيدي من قبل نقابات الصحفيين واتحاد الصحفيين العرب والمنظمات الدولية المدافعة عن حقوق الانسان وحرية التعبير ،خاصة وان بوش اعتبر قذفه بالحذاء" ممارسة ديمقراطية "،فهذا الشاب رفع رؤوس العرب المناهضين للاحتلال ،ونرجو ان لا تقدم السلطات المصرية على حظر بث قناة "البغدادية" التي يعمل فيها الزيدي ،مجاملة لادارة بوش غير المأسوف عليها !.
Theban100@ hotmail.com