مجرّد صداعِ لا أكثر..أحسّت به الطفلة الجميلة «سدين سامي الفسفوس» من بلدة كفريوبا، تغذّى على آلامها إهمال الطاقم الطبي والتمريضي في مستشفى الأميرة رحمة ليسجل موتها مفارقة مبكية مبكية أن مستشفى «رحمة» فيه كل شيء الا الرحمة!.
لم أستطع ان أتمالك نفسي وأنا أشاهد تقرير الزميلة الإعلامية المتألقة هناء الأعرج على قناة الأردن اليوم وهي تلتقي أهل سدين لتُسمع كل من له ضمير حي معاناتهم وأوجاعهم ، أهلها الذين جرّعوا كل من شاهد المقابلة الوجع المرّ وأمطروا الدمع من عيوننا عنوة عنّا برغم كل محاولات التماسك البائسة ،ليرووا قصة كل عائلة أردنية فقيرة لا حول ولا قوة ولا سند ولا مسؤول ولا فاسد يحميها او يلفت الأنظار اليها ، لنطوي مقولة الإنسان أغلى من نملك ونستبدلها بمقولة البيروقراطية ،الإهمال، الترهل،الوحشية، التجبّر بالضعفاء أغلى ما يملك الجالسون على كراسي المسؤولية والقرار..
تروي الأم قصة ابنتها الجميلة سدين ،وكيف دخلت المستشفى الحكومي التعليمي ،بغياب تام لطبيب أعصاب في هذا المستشفى ، وبتشخيص خاطئ شخّصه الطبيب الموجود هناك الذي لا نعرف من أي جامعة قد تخرّج وكم سنة في الطب أمضى وكيف تعيّن ليؤتمن على صحة بشر وأطفال لا ذنب لهم الا أنهم يتألمون كما يتألم كل أطفال الدنيا كان تشخيصه «توسع في حجرات الدماغ» أطلق حكمه وأدار ظهره دون مبرر لهذا التوسع المفاجئ ..الجريمة لم تتوقف بعدم وجود طبيب أعصاب يكشف على الراحلة سدين في المستشفى ، الجريمة بدأت منذ أن رفض الطبيب إجراء صورة طبقية لها ما لم يؤمّنوا «الخمسين» ديناراً ثمن الصورة في تلك الليلة حيث لم تملك العائلة هذا المبلغ لحظة الدخول ، ليستمر مسلسل استمراء الجريمة باستهتار الممرضات المسؤولات عن الطفلة والشكوى من صراخها المرتفع بسبب الألم الذي لم تكن لتحتمله بجسدها النحيل الرقيق، بقيت على هذا الحال ثلاثة أيام بعد أن رفض المستشفى تحويلها الى مستشفى الملك المؤسس ما لم يحصلوا على «إعفاء» الذي يحتاج على الأقل الى 3 أيام أخريات ،في هذه الأثناء كانت حالة الطفلة تزداد سوءاً ،وكانت شمعة عمرها تذوب بين الوجع والانتظار،في يوم الوفاة طلبت سدين من أمها ببراءة وعيون دامعة «جدلي لي شعري يا ماما»..لم تعرف الأم سرّ الطلب ،لم تكن تعرف أنها تتهيأ لأن تغادر الدنيا وهي بكامل طفولتها..في ذلك اليوم تقوم إحدى الممرضات بإعطاء الطفلة حقنة مخفضة للضغط دون ان تقيس ضغطها فتدخل في تشنّج شديد، ثم دخلت بتشنج أقوى أدخلت الى العناية الحثيثة بعدها بدقائق..وحتى يخلي الطاقم الطبي مسؤوليته يقبل تحويلها الى مستشفى الملك عبدالله المؤسس هناك تصل سدين بحالة موت سريري ما لبثت ان غادرت الحياة بعدها..المفاجأة أنها لم تكن تعاني من «توسّع في حجرات الدماغ» كما شخّصت ولو حوّلت في اليوم الأول لتعافت في اليوم التالي لكنه قضاء الله وقدره وإهمال وجهل من تولّوا الحالة.
سؤالي قبل ان يطوى ملف الجميلة سدين..هل يطلب من المواطن «إعفاء» حتى يصبح إنسانا يستحق العيش والعلاج؟ هل مجرّد بقائنا على قيد الحياة صار بحاجة الى «إعفاء» يماطل به المتبلّدون على الكراسي وأصحاب القرار..بالمناسبة سدين ليست الأولى ولا الأخيرة قبلها غادر الكثير من الأطفال بأخطاء طبية وبإهمال صحي ووحشية بشرية كان يتعامل معهم القطاع الطبي كآلات معطوبة لا أرواح وأجساد وحضور وذكريات..
رحلت سدين وحقيبتها المدرسية ما زالت في مكانها ، لم ينته الفصل الثاني بعد يا سدين وما زال في دفاترك بعض البياض وبعض الصور في الكتب لم تلوّن..ماتت سدين تاركة ملابسها وألعابها وصورها على هاتف والدتها وضحكتها التي لا تغيب أبدا..رحلت سدين ولم تستلم شهادة الصف الثالث ،فما زال اسمها في سجل الطالبات حاضراً وصوتها حاضراً وفراشها الدافئ حاضراً...
كلكم قتلة سدين، القانون الذي لا يعترف بإنسانيتنا الا إذا وقّع الآمر بحياتنا وعلى أحقيتنا بالعلاج موظف متكاسل ، كلكم قتلة سدين ، انت يا وزير الصحة ومدير المستشفى والطبيب عديم الكفاءة والممرضة «وكيلة الموت» كلكم حرم جدائل سدين الشقراء من العيش والحياة...كلّكم ساهم في موتها الموجوع وفي دمعنا الذي لا يجف..لا أعرف كيف لم تهتزّ قلوبكم لتلك العبارة الدامعة الدامية التي لفظتها قبل الموت :»جدلي لي شعري يا ماما»...
* أخي القارئ ابحث عن المقابلة التلفزيونية مع ذويها ..وستعرف حجم الألم الذي كتبت فيه حروف هذا المقال.
الرأي