كان يوم الخامس من حزيران عام 1967 موعداً للجماهير العربية مع سقوط الشعارات الكبيرة التي ملأت الفضاء العربي من المحيط الى الخليج, وموعدا مع سقوط منهجية الإستخفاف بالجماهير ،وتغييب الشعوب, والإستهتار بالارادة العامه ، والبعد عن قيم الديمقراطية وممارسة نمط من الحكّم الديكتاتوري الفردي المطلق.
ما يستحق التوقف الكبير من كل الجماهير العربية والإسلامية ومن الأجيال الشابة أن هذا الحدث لم يخضع للتقويم والدراسة الحقيقية لا من قبل الأنظمة العربية المسؤولة عن الحدث ولا من أي جهة رسمية او شعبية , وبقيت الزعامات العربية المسؤولة عن الهزيمة محتفظة بمواقعها السلطوية ، ومستمرة في منهجيتها وخطها السياسي السابق, ولم يقدموا على تقديم إستقالاتهم وتحمّل مسؤولياتهم في إنتاج هذه الهزيمة المدوّية التي مرغت كرامة المواطن العربي بالذّات وأحدثت هزيمة نفسية ومعنوية هائلة.
خمسون عاماً مضت على ذكرى هزيمة حزيران وما زلنا بحاجة إلى إعادة دراسة الحدث بطريقة مختلفة تتسم بالجرأة الزائدة في ملامسة الجرح ووصف الواقع وإبراز الحقائق أمام الجماهير وأمام الناس وأمام أفواج الشباب والأجيال الجديدة من أجل الخروج من تحت اكوام الرماد المتراكمة عبر الزّمن ، والنجاة من عوامل الهزيمة وأسباب النكوص الحضاري المريع.
ينبغي الشروع في خطوات إعادة البناء بطريقة جادة تتمحور في جوهرها على إعادة بناء الإنسان العربي, مما يعيدنا الى أهمية الإتفاق على المسألة التربوية , إذ بات من المؤكد ضرورة إدراك أن المنهجيات السابقة لم تستطع إعداد الإنسان العربي المنتج، ولم تستطع بناء المجتمع العربي المتماسك ، القادر على تشكيل الحاضنة المطلوبة لعملية الإقلاع الحضاري المطلوب, وهذا يقتضي من كل أصحاب المسؤولية ومن كل أصحاب القرار أن يسهموا في إعادة إنتاج مجتمعاتهم بطريقة فاعلة.
محطة حزيران لم تشكّل عامل يقظة ولم تشكّل محطّة فاصلة بين مرحلة ومرحلة, حيث ان الأمور تسير الى الخلف, وأصبحت الأقطار العربية تعيش حالة من الفتنة الداخلية والحروب الأهلية ومعارك التدمير الذاتي, واتجهت الأقطار العربية الكبرى نحو الضعف والإنحلال والتقسيم, وما زال العدو الصهيوني قادراً على إنفاذ مخططاته عبر إثارة النعرات الدينية والمذهبية والعرقية والطائفية, ونحن لدينا الإستجابة لتنفيذ مخططات أعدائنا ولدينا القابلية لإنجاح مؤامراتهم.
ما يحدث في العراق وسوريا وليبيا واليمن ومصر في هذه الايام , أشد خطورة مما حدث في عام (67) وأعظم أثراً سلبياً, وزاد العبء على الأجيال الجديدة عندما تدير الدول وتدير المؤسسات وضياع الموارد وتبديد الثروات وزوال الهيبة وإنعدام القيمة .
رغم سواد الليل بإننا ما زلنا على أمل ببزوغ الفجر, لكن ما ينبغي أن نعلمه أننا يجب أن نتجاوز مرحلة الإنتظار السبي القاتل ، وأن نتجاوز مرحلة اللطم والبكاء ، الى محاولات النهوض وتحسس مسالك النجاة, من خلال التوافق على مشروع بإعطاء الشعوب حقها في تقرير مصيرها, وتعزيز دورها في إدارة شؤونها, والمشاركة الفاعلة في حماية أوطانها ومقدراتها عبر ترسيخ الحرية والديمقراطية والعدالة وسيادة القانون.
الدستور