في وداع الطبيب الإنسان عبدالله الحياري
د.سهيل الصويص
04-06-2017 06:47 PM
" لم أر أو أسمع أحداً أتى على ذكره إلاّ بالخير " ، بهذه الكلمات لخص الشيخ الفاضل حياة الدكتور عبدالله الحياري بعد دفنه اليوم في مدينته الحبيبة السلط .
هل نتكلم عن أبو محمد الطبيب أم الإنسان لكي نوفيه بعض أفضاله على جيلين من أطباء المملكة الذين تمكنوا من رفع اسم الأردن عالياً بين الأمم لفترة طويلة ؟ لكنه كان يمثل دون أدنى شك مثالاً وقدوة للطبيب الإنسان ، هذه الفصيلة التي بدأت وللأسف تتلاشى بل تكاد تنقرض في أردننا .
في العلم كان موسوعة ، وطلابه ورفاقه يشهدون له بذلك ، بل وحتى ساعات قبل النكسة التي تعرض لها بعد جلطتي القلب والدماغ في ديسمبر 2015 لم ينقطع عن متابعة التطورات الطبية والعلمية . كان خبيراً في عالم الأدوية والعلاجات الحديثة وبقي وفياً لمؤسسة رفيق دربه المرحوم سميح دروزه " الحكمة " حتى النهاية كمستشار وخبير وصديق .
الهدوء كان يمثل سمته المميزة حتى عندما يكاد الامتعاض يتسلل إلى دخيلة أعصابه دون جدوى . والحكمة كانت تسير أحاديثه ونقاشاته تساعده في ذلك ذاكرة فائقة يحسده عليها من هم أصغر منه بعقدين . احترام من هم أدنى رتبة وخبرة كانت شيمة نادرة لم يتخلى عنها ، أمًا تواضعه فكان غريباً في مهنة يسيطر على نخبة جمة ممن يمارسوها الغرور وعدم تقبل الاَخر للتغطية على مؤهلاتهم وقدراتهم المتواضعة بل المعدمة .
اليوم وقد وري أبو محمد التراب في العيزرية ننتحب برحيله ونترحم على مباديء نبيلة حاول فقيدنا الغالي حتى اَخر رمق أن يزرعها في عقول وقلوب من دربهم وزاملهم . لكن الحزن الصامت الدفين كان يملأ نظراته عندما تصل لمسامعه أخبار الممارسات المشينة المتكررة التي ابتكرها البعض ممن خلعوا الرداء الأبيض النقي واستبدلوه بقناع من النفاق والمنافسة غير الشريفة والكراهية البغضاء للزملاء الاَخرين ممن يتسلحوا بالعلم والأخلاق ، أي الخاصتين التي غدت تثير النفور في تفكير تجار الطب الأردني الحديث الذين ترعرعوا وتكاثروا في الخفاء والعلن بفضل الصمت المريب الذي مارسته وتمارسه السلطات الرقابية الطبية المتمثلة بنقابة الاطباء ووزارة الصحة . ولكن الفضل الأكبر في ازدهار ظاهرة الفساد في الطب الأردني ، هذا المصطلح الذي كان يكرهه فقيدنا الغالي ، يعود للدعم الذي وفره تجار الطب في بعض المستشفيات الخاصة التجارية التي لم يعد للمريض وجود بين جدرانها كإنسان لكن كمحفظة ورقم غرفة ولم يعد من الضروري أن يعالج مرضاها أطباء من ذوي الخلق والكفاءة بل المهم ممن يتميزوا بالخداع في استقطاب المرضى وسلبهم من عيادات الزملاء وممن يدفعوا العمولات السخية .
الشقة التي سكنتها لسنوات على بعد مرمى حجر من الجامعة الامريكية في بيروت ما بين شارع الحمراء وفندق الكومودور ما تزال رغم تصدح جدرانها العتيقة تتذكرك وبرفقتك أصدقاء الدرب رجائي المعشر وخلدون أبو حسان وسامي قموه واَخرون . ورفيق العمر الذي واكبك المسيرة منذ الصف الاول الابتدائي في السلط حتى تخرجك من الجامعة الامريكية ، الدكتور عبدالله النسور ، لن ينساك كما دلت عليه نظراته عندما مرّ جثمانك اليوم أمام عينيه . أمّا تلامذتك وأصدقاؤك ورفاق جلساتك الصباحية اليومية في مستشفى المركز العربي فسيبقوا يستقون من منابع تواضعك وخلقك وعلمك أطيب الذكريات .