صورة سوداوية تستدعي إعلاماً خارجيأً
د. زياد الشخانبة
04-06-2017 06:44 PM
صورةٌ سوادها كاحل، تنتشر في هيئةٍ ذهنيةٍ تتجاوز النمطية، بُنيت وتجذرت بعد سنوات طوال من تكرارِ رسالةٍ سلبيةٍ هي أبعدُ ما تكون عن الواقع، لا بل أنها تزخر بالمغالطات، وتبتعد في كثيرٍ من الأماكنِ عن البديهيات والمسلمات.
صورة سلبية عن الدولة الأردنية وجدها الباحث تسيطر على المكان في لقاءات عديدة مع سياسيين وأكاديميين وفعاليات مدنية وشعبية في دولة مجاورة هي لبنان، حيث الاستغراب مما يقال هو سيد الموقف، كما أن تفنيد هذه الصورة يعد ضرباً من تجميل الصورة والدفاع، أي لا سبيل في الإقناع بتغيير المخزون الفكري الذي ترسخت أعمدته في الإطار المرجعي داخل العقل ولم يعد تغييره بالأمر السهل، وهذا مرده إلى ضعف الماكنة الإعلامية الأردنية الخارجية، بل انعدامها، وبالتالي لا وسيلة تقدم المواقف بشكلها الصحيح سواء بما يتعلق بسوريا او العراق او القدس أو غيرها من الأحداث بالمنطقة، يضاف إلى ذلك الصورة الرجعية عن الحياة السياسية والثقافية والاجتماعية وأنها أشبه بالحياة التي شاهدوها في المسلسلات البدوية !!!
وهنا علينا أن نتفق أن من يقدم أخبار الدولة الأردنية هي وسائل إعلام أخرى خارجية تأخذ منها السلبي الذي يناسب سياستها وأغلبها ولكثير من الأسباب تدع منها الإيجابي فلا تنشرهُ، الأمر الذي وبتكراره أدى إلى استنبات مواقف وقرارات سيئة ليس فقط إزاء المواقف السياسية بل الشأن الداخلي الذي يتم تقديمه بصورة جارحة من قبل سياسيين ومثقفين من الأشقاء للأسف .
وفي محض الحديث عن الاعلام في تلك اللقاءات فالقناعة الراسخة لدى الاطراف الأخرى هي كالصخر في رسوخها، أي أن الإعلام في الأردن ليس له أي تأثير بالشأن الداخلي، ولا يمكن أن يؤثر قيد أنملة في مناحي الحياة، كما أن السلطات في الدولة الأردنية لا تقوم بأي عمل مهما كان صغره، إلا بعد مباركة جلالة الملك الذي يتدخل حتى في أصغر الأمور وأقلها أهمية، وبالتالي فلا تأثير للإعلام ولا تأثير لأي مسؤول في مكان مسؤوليته ولا يؤثر الاعلام أبداً في عمل أي مسؤول، وأن الدولة قائمة على الشخص الواحد الذي يدير كل شؤونها، حتى إذا ما عمدت إحدى البلديات على إنشاء جدار استنادي فالملك يجب ان يوافق أولاً، كما لا يوجد أي مظهر من مظاهر الحرية، وأن قيادة الدولة تقوم على القبضة الأمنية والمواطن لا يستطيع أن يوجه أدنى نقد لأي مسؤول !!!
صورة سوداوية مستفزة تبعد عن الواقع سنوات ضوئية، تستدعي الوقوف عندها وتشخيص أسبابها، والمذهل أنه يتحدث بها أشقاء ببلد مجاور. والسبب تحديداً فيما مضى؛ هو غياب ماكنة إعلامية أردنية خارجية تقدم الوجه الصحيح للدولة، وتضع بين شعوب المنطقة المواقف الاردنية بصورتها الواقعية دون تزييف او تشويه، بحيث لا ينكسر عندها المواقف الأخوية والإنسانية والقومية التي من المؤسف إنكارها، وهنا لا أدعو إلى التجميل والترويج، بل إلى نقل الحقيقة مهما كانت، لكي تكون الصورة واضحة وبناء عليها يكون الموقف سلبيا كان أم إيجابياً قائم على أساس صحيح، والتعريف بالصورة الداخلية للدولة كما هي بالواقع، غير مشوهه عند طرحها من قبل من وقعوا ضحية وسائل لا تنقل الحقيقة او أنهم لم يجدوا وسائل تنقل الصورة الحقيقية عن الأردن والذي هو ليس دولة مغلقة كما بعض الدول .
ما سبق يستدعي حديث دار مع إحدى الزميلات بالجامعة اللبنانية تناولنا فيه مختلف الاوضاع الداخلية والخارجية للدولة الأردنية، وكان قولها نهاية الحديث "السبب بما لدي من أفكار هو أننا نسمع عن الأردن من إعلامٍ آخر بسبب ضعف الإعلام الأردني خارجياً" .
وفي حديث مع شخصية سياسية مطلعة ضمن تلك اللقاءات ، أقرت أن هناك صورة سلبية غير صحيحة تستدعي ان يكون على أولويات الحكومة في عمان وبشكل عاجل، إنشاء وسائل اعلام تستقطب الجمهور العربي وغير العربي لوضعه بصورة الموقف الحقيقي دون التهويل والتضليل ودون فتح المجال لوسائل الاعلام لأن تتناول أخبار الاردن وفقاً لسياسة القائمين عليها أو الجهات المسؤولة عنها، فيترتب عليه مواقف مبنية على قاعدة ليست سوية، وهذا الغياب للإعلام الخارجي هو سبب فسح المجال لأن يتهم الأردن دائماً بالخيانة ورسم صورته كمعادٍ لأي عمل عروبي او قومي لا بل أنه سبب ما يحدث في المنطقة حتى لو حصل أمر ما في موريتانيا فالأردن هو السبب، والمعيب أن العامة والطبقة المثقفة بالشارع العربي تصدق فلا تبحث عن الحقيقة ولا تجد من يقدم لهم الحقيقة.
ورغم ما سبق لا معالجة تلوح بالأفق من قبل الحكومة واستغلال الكفاءات الاعلامية الأردنية، ولن يكون تلفزيون المملكة الجديد حلاً، بل الحاجة إلى مجموعة من الوسائل، الشيء الذي عملت عليه مبكرا الكثير من الدول وسعت لأن يكون لديها ماكينة إعلامية تقدم مواقفها وتعزز من التأييد الإقليمي أو الدولي لها لا سيما الشعبي، وتكون في منحى بعيد عن تناولها بالتشريح والسوداوية، لذلك فالأردن حالياً بأمس الحاجة لأن يضع محيطه والمنطقة العربية بحقيقة مواقفه الكبيرة، وما يتحمله من كوارث تحدث بالمنطقة، وما يواجهه من تحديات لا تتحملها كبرى الدول، وصموده في وجه مخططات تعصف بالمنطقة ولا تستثني أحداً.