منذ ولوجي إلى العالم الافتراضي عبر "الفيسبوك"، وقد وضعت نصب عيني كيفية الاستفادة من موقع التواصل الاجتماعي هذا إلى أقصى حد.
فقررت بادئ ذي بدء نشر نصوصي الأدبية على جداريتي "بروفايلي"، عل وعسى يستفيد منها أصدقائي "الفيسبوكيون". ثم أسست مجموعة "الأدب الآخر" لأنشر على واجهتها كتاباتي.
بالمقابل، لم أكن أتقبل فكرة "نسخ ولصق" لأي مقولة أو عبارة -كانت حكمة أم مثلا- تقع عليها عيناي أثناء تجوالي في العالم الافتراضي، إلا إذا رأيت محتواها غنيا، وفحواها ثريا، فأنفذ الفكرة لأساهم في نشرها لأكبر عدد ممكن من "الفيسبوكيين"، على أن أذكر اسم قائلها، عالما كان أم أديبا أم فيلسوفا أم "فيسبوكيا" كان قد أطلق العنان لأنامله فجأة، فانطلقت بكل عفوية وتلقائية تنقر على لوحة المفاتيح أحرفا، تكمن فيها تلك الفكرة الساكنة في عمقه، فتنقلها من عالمه الباطني إلى جداريته، لتتجسد معانيها في أبهى مظاهرها على مرأى من العالم الظاهري، في عبارة قد تكون منعطفا حادا للكثيرين ممن يقرؤونها. وإذا لم يقدر لي معرفته، تجدني أكتفي بكتابة "منقول" أسفل العبارة.
ما يحصل أحيانا في العالم الافتراضي، العربي تحديدا، ليس مجرد "نسخ ولصق"، إنما هو ببغائية عمياء، فالكثير منا تجده ينسخ ويلصق أحيانا دون التفكير مليا، فيما قد تحمله العبارة من معان جوفاء، وأفكار هدامة، لا تمت بصلة لا من بعيد ولا من قريب، لعادات وتقاليد وأعراف حميدة، توارثناها كابرا عن كابر منذ قرون مضت.
يتمثل ذلك في قيام أحدنا بنسخ ولصق مقولات وعبارات مناقضة تماما لما قام بنسخه ولصقه من قبل، فنستغرب في أمر هذا الإنسان، ونحتار في فكره وشخصيته.
وتتجلى هذه الببغائية في أقبح صورها، عندما يعلق الشخص نفسه على ما نسخ ولصق من قبل، فتجد التعليق بعيدا كل البعد عما تحمله العبارة من معان في طيات كلماتها.
وإذا أردنا المضي قدما في تحليل ما يجري بعقلانية وموضوعية، فإننا قد نصل إلى ما يسمى بازدواجية الشخصية، وهو من أهم الموضوعات التي تتناولها العلوم الإنسانية بفروعها المختلفة مثل علم النفس، وعلم الاجتماع، والفلسفة وغيرها من فروع شتى.
فإذا كنا ننسخ ونلصق لمجرد النسخ واللصق، دون التفكير مليا فيما قد تحمله الإقتباسات من معان أو أفكار أو مبادئ؛ فإننا نهدم تدريجيا أساسات بنياننا الفكري، وقواعد هيكلنا العقلي، ومنطلقات توجهاتنا في حياتنا.
فنحن لا نتحدث عن التقليد كما يفعل الصينيون، وكما فعلها من قبلهم اليابانيون الذين امتازوا عنهم بالتقليد التطويري، إنما نتحدث عن ببغائية في الفكر، وهذا أخطر ما في الوجود على هويتنا، وتراثنا، وكياننا.
ولربما لاحظ القارئ تكرار كلمتي "نسخ ولصق" في هذا النص بشكل متواتر، وذلك للتأكيد من جهتي أن العملية ليست عملية تذوق وإعجاب قائم على حس مرهف فعلا من قبل بعض "الفيسبوكيين"، إنما هي عملية "فيسبوكية" تلقائية جامدة في إطار ببغائية لا شعورية عمياء، وهو أمر جلل يهدد ثقافتنا، وموروثنا الاجتماعي.
لنقرأ ما يقوله الآخر بتمعن وترو، ولنفكر مليا في المعنى قبل المكتوب، وإذا وجدنا الفكرة بناءة ومساهمة في تفعيل الفكر، وتطوير العقل، وتهذيب النفس، وتشذيب الروح، فلينشرها كل واحد منا على جداريته، ولنذكر اسم القائل، حتى يدرك القارئ أننا نحترم الفكر والتراث أيا كان مصدره. وإذا لم يقدر لنا معرفته، لنكتفي بكتابة "منقول" الذي نتمنى أن يكون لما في خير الإنسانية، ونعيم البشرية.