اللامركزية .. هل يكتب لها النجاح؟
د. صبري ربيحات
04-06-2017 01:12 AM
صحيح أن للامركزية نظاما انتخابيا يشتمل على دوائر وناخبين ومرشحين وإجراءات، وصحيح ان تطبيقها يقتضي اجراء انتخابات لاختيار مجالسها، ولا احد يعترض على وجود حملة اعلانية تعرف بالنظام الانتخابي الجديد. لكن الاهم من كل ذلك، وربما لا يدركه كثير ممن يروجون للامركزية، يتعلق بكونها نظاما واسلوبا ديمقراطيا في الادارة والحكم تستند الى مبدأ حرية الافراد في اتخاذ القرارات التي يتوافقون عليها ويرون انها الانسب لمجتمعاتهم المحلية ومناطقهم بعيدا عن تأثير وميول وخيارات الحكومة المركزية.
حسب النظام الجديد يشارك الناس في صناعة القرارات التي تهمهم من خلال ممثلين يجري انتخابهم على اسس ديمقراطية ولفترات زمنية يحددها القانون. بموجب اسلوب الحكم المحلي "اللامركزية" يقوم السكان بطرح مشكلاتهم واحتياجاتهم على المجالس المحلية وتجري دراستها مناقشتها في جلسات استماع مفتوحة تتيح لجميع المعنيين والمهتمين النقاش والاقتراح وابداء الرأي قبل ان يتم وضع الخطط والموازنات والبرامج من قبل المجالس التي يقول القانون إنها ستكون مستقلة ماليا واداريا.
تطبيق اللامركزية يعني الانفكاك من الحالة التي كانت فيها الوزارات المركزية تحدد وتعد وتختار وتقر المشروعات دون ان يكون للاهالي ادوار في اقتراحها ودراستها واقرارها واعداد موازناتها ومراحل تنفيذها. والتحول الى الوضع الذي يتولى فيه سكان المناطق تلمس احتياجاتهم وتقييمها والبحث عن حلول لها واقتراح المشروعات الخدمية والتنموية لمجابهة التحديات وتطوير الواقع واقرارها في ضوء سقف المخصصات المالية لمجتمعاتهم.
قبل ايام، وبالتزامن مع انتهاء فترة الاعتراض على كشوفات الناخبين، بدأت حملة الاعلان والترويج لانتخابات المجالس البلدية واللامركزية التي ستشرف عليها الهيئة المستقلة للانتخابات. في الحملة الانيقة تنتشر يافطات وملصقات تحمل عناوين واقتباسات وشعارات على دواوير العاصمة ونواصي الشوارع ومداخل الجسور والساحات تدعو الناس الى المساهمة في الانتخابات التي سيختار من خلالها المواطنون ممثليهم في 114 دائرة ليتولوا التخطيط والمناقشة واقرار الاولويات التنموية والخدمية لدوائرهم.
بالرغم من اقرار القانون منذ اكثر من عام، واحتدام جدل واسع حول ظروف وتوقيت ومبررات تبنيها، تباينت مواقف خبراء البيروقراطية الاردنية حول القيمة المضافة لتطبيقها في بلد يمتاز بمركزية القرار والتداخل الكبير بين عمل الاجهزة والمؤسسات بشكل يعيق تنفيذ الكثير من القرارات المهمة وتعطيل المبادرات والمشروعات والاستثمارات التي يمكن ان تعود على البلاد والمواطنين بالرخاء والازدهار.
اليوم، ووسط هذا الصخب العالمي والتوتر الاقليمي والضائقة الاقتصادية المحلية، يستقبل الناخب الاردني فكرة اللامركزية بشيء من الفتور وبعض من اللامبالاة، فهو يعلم جيدا صعوبة الاوضاع الاقتصادية التي تمر بها البلاد، ويدرك انشغال الساسة والمخططين بقضايا الامن والحد من اخطار الصراعات والاضطرابات الاقليمية المتلاحقة، ويدرك صعوبة إحداث التحول في أساليب الادارة والحكم في أوقات تتكاثر فيها الأخطار والأزمات.
بعض الاشخاص الذين ابدوا رغبتهم بالترشح لمقاعد المجالس المحلية لا يعرفون بالضبط ما يمكن ان تكون عليه وفيما اذا سيكون بمقدورها ان تنتزع صلاحياتها من المؤسسات المسيطرة على صناعة القرار. الكثير من الجوانب التطبيقية للاهداف والغايات والنصوص التي اشتمل عليها قانون اللامركزية ستتضح عند التطبيق. التداخل الذي قد يحدث بين المجالس التنفيذية والمجالس البلدية ومجالس المحافظات امور في غاية التعقيد وتحتاج الى وجود مرجعيات لضمان فك الاشتباك وحسن تطبيق النظام دون اخضاعه الى رغبة وادارة السلطة التنفيذية.
العديد ممن يراقبون التحولات الاقليمية يثنون على ثبات الاردن وتصميمه واستمراره في اتخاذ خطوات جريئة في تحديث البنى وتطوير اساليب العمل وسط الصراعات الدائرة من حوله وضغوط تدفق اللاجئين وانحسار مصادر الدعم والتمويل.. في الكثير من القرارات التي نتخذها يبدو اننا نستهدي بمقطع من الشعر التراثي يقول" نمشي ع ما قدر الله.. واللي كاتبه ربك يصير".
الغد