تغلب النظام على الهوية. نسب النظام إلى الهوية كل الخطايا التي ارتكبها. صارت الهزيمة عربية، اما النصر، ولو في كرة القدم، فللنظام. صار العيب في الامة. اما المجد ففي “القائد” وله.
الشتيمة للأمة: العرب جرب. أما العزة فحكر على الدول القطرية. اللبناني عبقري، والسوري شاطر، والعراقي مبدع، والمصري فنان، والسعودي يبيع ملامسة الحجر، والكويتي يبيع الشمس، والقطري يبيع الهواء، اما الامة فقطعان من الجهلة والاتباع.
فلسطين كشفت الجميع فصارت مصدر الشتيمة. صار الفلسطيني خائنا بالسليقة. باع وطنه وفضل عليه اللجوء المُهين… حتى إذا ما قام بالثورة تواطأوا عليه، ففضل العودة إلى الاسر بأية شروط مفترضا أن “العدو” أرحم به من الأخ الشقيق.
مصر كانت القيادة الملهمة ذات يوم. هي الثقافة والفن والعراقة والقرار. هي مصدر النصر وقيادته… أما اليوم فتتحول مصر إلى بلد الجهل والنصابين، والى سبب الكارثة اليومية، والى العبء الثقيل بملايينها المائة التي تفرض علينا الهزيمة.
أما العراق فجهنم الطائفية والمذهبية والعرقية. العرب شيعة وسنة مقتتلون، لما يغادروا كربلاء، والاكراد جالية أجنبية ليسوا من الساميين في شيء، بل هم من الآريين الذين رمتهم الاقدار على الحد الفاصل بين العرب والفرس والترك، وجميعهم معادٍ عرقياً. اذن هي الحرب. بالحرب يعيشون وفي الحرب يموتون، لا أحد يحبهم، والكل يحول الخوف منهم إلى كراهية. يقبلونهم عسكراً وصنايعية وخدماً، يسرقون منهم الفيلسوف والشاعر والكاتب والعالم فينسبونه إليهم. ويتركونهم يتوهون في الجهالة والادعاء الكاذب بالعظمة. صار صلاح الدين من العرب. ادخلوه تاريخهم من دون قومه. الهوية للغالب.
لا لبنان هو لبنان الذي كان، ولا أهله هم امتداد لأولئك الاهل.
ذبحت حيويته السياسية بالصراعات الخاطئة حول القضية الحق. وغلبت الطائفية على السياسة لتصير في خدمة دول ضد دول، والامة خارجها. صارت السياحة موضوع ابتزاز سياسي. وصارت الثورة تجارة، وصار الصراع الطائفي استثمارا مجزيا. اسُترهنت الصحافة، ثم تم اللجوء إلى الاذاعات فإلى محطات التلفزيون فصار منارة الحرية ساحة احتراب بين مطامع الانظمة وأغراضها. ثم دخل الغرب بأسباب الحداثة فضاعت القضية.
تكسرت القيم المقدسة. أحرقت الانظمة الاوطان. ذبحت المخابرات العقائد. اغتال طموح القادة الافذاذ احلام الامة. سقطت الوحدة مضرجة بدمائها.
لا يبنى الآن على ما كان. انتهى زمن الاحلام. اختلف العصر. تقدم العالم مائة ألف عام بينما ما نزال غارقين في الاختلاف بين التقويمين الشمسي والقمري، الميلادي والهجري.
علينا أن نكون بأسمائنا وهويتنا لندخل العصر من بابه، وليس تسلقاً بلغة الغير، وبهوية ليست لنا.
نكون، نحن، او لا نكون ابداً.
لا تهرب من أسماء جدودك إلى أسماء احفادهم.
كن أنت، والا فلا معنى لوجودك.
أما آن الاوان أن تحضر.. بذاتك، لا بأثواب مستعارة!