في "المفاضلة المراهقة" بين إيران وإسرائيل!
رجا طلب
02-06-2017 08:34 PM
عندما تتحول إيران إلى سبب من أسباب الخلاف العربي – العربي، فهذا يعني أن ما تبقى من منظومة الأمن القومي العربي بات في خطر حقيقي، فإيران تعد واحداً من أكبر التحديات التي تواجه الأمن القومي العربي والهوية والثقافة العربيتين ليس من اليوم أو أمس أو سنة، فهي على هذا الحال منذ بداية القرن الخامس عشر الميلادي أي منذ تأسيس دولة الشاه إسماعيل الصفوي الذي حول إيران من دولة سنية إلى دولة تدين بالمذهب الشيعي الاثنى عشري بمساعدة وخبرات رجال الدين من جبل عامل جنوبي لبنان.
وعندما تولى آل بهلوي الحكم في إيران مطلع القرن العشرين لم تتغير نظرة رضا بهلوي، أو ابنه الشاه محمد رضا بهلوي للعرب أو العروبة، فقد بقي الخليج العربي في معتقدهم فارسياً، والبحرين فارسية، بالإضافة للجزر الإماراتية (أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى) هذا عدا عن عدم إيمانهم بمبدأ التعايش مع محيطهم العربي وإيمانهم بأن العرب على شواطئ الخليج ليس لهم أية حقوق فيه وأنهم أي العرب هم مجرد "برابرة" دمروا الحضارة الفارسية.
هذه النظرة هي جزء لا يتجزأ من الثقافة القومية الفارسية المتوارثة منذ آلاف السنين، وقد تم التعبير عنها بأفضل وأعمق تعبير في كتاب (الشاهنامة) للفردوسي أبو القاسم منصور الذي ألفه عام 1010 ميلادي، وهو الكتاب الذي يصفه بعض المفكرين والمثقفين في العالم بأنه (قرآن الفرس) ومحتوى هذا الكتاب هو عبارة عن أشعار وقصص تتغنى بقباحة العرب وتخلفهم وطرق احتقارهم.
وإذا ما تمت المقارنة بين الخطر الإيراني – الفارسي على العرب والعروبة والخطر اليهودي سنجد أن الخطرين يكملان بعضهما البعض منذ تحالف الإمبراطور الفارسي قورش الثاني مع اليهود في بابل لإسقاط الدولة الكلدانية البابلية في 529 قبل الميلاد، ثم سمح لهم بعد هزيمة الدولة البابلية بالسفر لفلسطين والعودة لأورشليم وإقامة الهيكل، وإلى يومنا هذا وإن بدت الصورة على غير ذلك من حيث الشكل.
في المقارنة لتي لا مفاضلة فيها بأي حال من الأحوال بين درجة خطورة أي من "العدوين القوميين" نجد أن إيران تحتل إقليم عربستان "الأهواز" منذ 1925 ولا تعترف بعروبة الخليج العربي وتحتل الجزر الإماراتية الثلاث، ويتفاخر قادتها الأمنيون والعسكريون بأنها باتت تسيطر على أربع عواصم عربية هي بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء، وهو واقع لم يصل له أقصى الطموح الذي تحدث عنه ديفيد بن غوريون عندما قال "قوتنا ليست في سلاحنا النووي بل في تدمير وتفتيت ثلاث دول كبرى حولنا هي العراق – سوريا ومصر إلى دويلات متناحرة على أسس دينية وطائفية، ونجاحنا لا يعتمد على ذكائنا بقدر ما يعتمد على غباء الطرف الآخر"!
وإسرائيل التي وفرت لها سياسات إيران التوسعية وطموحاتها الإقليمية غطاء يخفي الممارسات العنصرية لآخر احتلال في العالم اكتفت بما حصلت عليه من غنائم "حرب 1967" أي الجولان والضفة الغربية وغزة، كما وفرت سياسات إيران التوسعية منذ "ثورة خميني عام 1979" والى اليوم استنزافاً للجهد العربي الموجه للتصدي لإسرائيل عسكرياً ومالياً والضغط عليها لتقديم تنازلات سياسية في عملية السلام على أرضية مبدأ "الأرض مقابل السلام"، أو "مبدأ حل الدولتين"، وكانت الحرب الإيرانية على العراق لمدة ثماني سنوات أكبر استنزاف للحالة العربية منذ نهاية الحرب الصليبية وانتصار صلاح الدين الأيوبي، حيث كان الخميني يرى أن تحرير فلسطين يجب أن يمر من بغداد، أي بمعني احتلال العراق، واليوم وعندما باتت بغداد أسيرة إيران "وفي قبضة قاسم سليماني" لا نرى ولا نلمس أي جهد يذكر من "ورثة الخميني" باتجاه دعم ومناصرة فلسطين وقضيتها.
الخطر الإيراني الحقيقي تعدى كل ما سبق وانتقل لمرحلة أكثر عمقاً، إنها مرحلة تحويل بعض الدول العربية إلى أوراق سياسية وأمنية يقايض بها النظام الإيراني الإقليم والعالم.
والأكثر خطورة اعتقاد بعض الأنظمة العربية أنها عندما تنام في فراش واحد مع إسرائيل وإيران وطالبان والقاعدة والإخوان، تكون قد خلقت معادلة سياسية إبداعية تمكنها من الوصول "للعظمة"، غير مدركة أنها تمارس "المراهقة السياسية" بمنتهى الغباء!
وهنا تكمن الكارثة.