نمطنا الاستهلاكي الرمضاني
د. ناجي معلا
02-06-2017 03:59 PM
نمطنا الاستهلاكي الرمضاني
هل شراء ما نشتهي أم شراء ما نحتاج؟
لو أمعن كل مواطن منا النظر في قائمة أصناف المأكولات الموجودة على مائدة الافطار التي نجلس حولها يوميا لوجدنا ان كثيرا من الاصناف الموجودة لا تلمسها يد وان لمستها فان اللمس يكون محدودا . فمدى الاقبال عليها حدده أولويات حاجة الجسم الطبيعي المحكومة بمجرد لقمة أو اثنتين، وتكون النتيجة أطباق أصناف لم تمس وأطباق أخرى قد تم مسها جزئيا. وهذا يعني ان النفس التي تقوم بتحضير أصناف المائدة قبل الافطار لا تكافئ النفس التي تتناول هذه الاصناف عندما يجلس الصائم على المائدة لغرض افطاره. واذا راقبنا تصرفاتنا السلوكية في الاسواق
ومراكز التسوق خلال ساعات النهار لوجدناها تصب في المنهج السلوكي الذي يحكم الطريقة التي يتم بها تحضير مائدة الافطار .
والحقيقة ان هذا النمط الاستهلاكي يمكن تفسيره بالآلية السيكولوجية التي تحدد سلوكنا الشرائي . فسلوكنا التسوقي في ساعات النهار وأثناء الصيام غالبا ما يكون محكوما بما تشتهيه نفس الصائم، أما سلوكنا في تناول الطعام أثناء الافطار فغالبا ما يكون محكوما بالحاجة الفسيولوجية لجسم الصائم.
أن التحليل العلمي لهذا النمط الاستهلاكي يفرض علينا الاجابة على سؤال هام هو: الى أي مدى ينسجم هذا النمط الاستهلاكي مع القيم الاجتماعية والاقتصادية التي يحملها مفهوم الصيام كما أراده الله لنا كفريضة علينا؟ ان الاجابة على هذا السؤال تقتضي منا الاجابة على مشتقة هذا السؤال وهي: هل شهر رمضان هو مناسبة للعبادة وترويض الذات وكبح جماحها عن كثير من ملذات الطعام ا
لتي تستميل شهوة النفس الى الطعام، والتي تكون في معظم الاحيان مصدرا للضرر والاذى الجسماني، أم هو مناسبة نقوم فيها بأطلاق العنان لأنفسنا لتهيم في بحر الشهوة والتسلية والترفيه؟ ان الاجابة على السؤال ومشتقته تكمن في مضمون الآيات الكريمة التي وردت فيها فريضة الصيام والمعاني القيمية التي وردت في الأثر الشريف.
ا ن أبرز ما يمكن ان يعكسه هذا النمط الاستهلاكي في شهر رمضان هو الاسراف في الامر. ان كثيرا من أصناف
الطعام التي تشملها موائد البعض منا والتي لا تجد لها طريق الى كثير من موائد اخوة لنا من ذوي القربى والمساكين
واليتامى وأبناء السبيل الذين يتمنون أن تمتد اياديهم ولا تجدها بسبب عدم القدرة على شراءها. ان كميات الطعام
وتعددية أي موائد الكثيرين منا محكومة بدوافع وسلوكيات قضاء شهوة النفس أكثر منها لقضاء حاجة الروح والجسد.
فهل هذه هي القيم التي حملتها فريضة الصيام ؟ ان العبرة من الصيام هي صيانة وترميم النظام الروحي والجسدي للمسلم وليس اهلاكه وتدميره. من ناحية أخرى، فاذا قمنا بترجمة مقدار هذا الاسراف في الاستهلاك الرمضاني الى
قيمة نقدية فإننا سندرك مقدار الهدر الاقتصادي لمواردنا وما بين أيدينا من النعم التي وهبنا الله اياها لنحسن استخدامها
ونعطي هذا الاستخدام معاني الشكر لله الذي وهبنا اياها " فبالشكر تدوم النعم. " أخيرا، وشهر رمضان الفضيل
في عشره الأواخر، فإننا مدعوون في هذه الفترة الباقية الى محاولة صياغة منهجيتنا في التعامل مع حيثيات شهر
رمضان والقيم التي يحملها، فصيامنا ليس أن" نجوع حتى نأكل "، بل حتى يكون في صيامنا صحة وسلامة أجسامنا
ونقاء أرواحنا. فلنعمل جاهدين على تكييف سلوكنا الاستهلاكي ليأتينا شهر رمضان في العام القادم وقد وهبنا الله
القدرة على احداث التغيير المنهجي السلوكي الم طلوب .اليس كذلك ؟