نقرأ التاريخ الأردني فنجد عشرات القصص عن رجال خدموا في الدولة الأردنية، وكانوا زاهدين في تقلد المناصب الحكومية، عفيفين بالتعامل مع المال العام، ورعين خشية أن تمسهم شائبة ربما لا يعرفون عنها، خرجوا من الوظيفة العامة ورصيدهم قد زاد من الدين لا من الثراء.
عندما استشهد وصفي التل طلب الملك الحسين أن يسدد كافة الديون المترتبة على ذمة الشهيد، وقد تبين أنها ٩٣ ألفا لصالح مؤسسة الإقراض الزراعي ثمن إطارات تركتور وطرمبة ماء ومحراث وثمن بذور..!! هذا وصفي الذي كان رئيسا للوزراء مرتين ويمتلك الدولة بين يديه ولكن آثر الرحيل مديونا.
ما الذي يدفع ذوقان الهنداوي وهو رئيسا للديوان الملكي عام ١٩٨٩ يكتب رسالة لأحد أخوال أولاده أنه بحاجة ل ٢٠٠ دينار "قرضة" لدعوة طارئة أقامها للشريف زيد بن شاكر ..!!! وهو الذي تقلد العديد من المناصب الوزارية ورئاسة الديوان الملكي وتحت يديه ميزانية كاملة بحكم وظيفته.
نوح القضاة إبان تسلمه دائرة الإفتاء العام يرد إلى خزينة الدولة نصف مليون دينار من موازنة دائرته نهاية العام، وبعد انتهاء عمله الرسمي يعيد الهدايا التي أرسلت له إلى مكتبه .!! ما الذي يدفع هذا الرجل لمثل هذا التصرف وهو يملك كل شيء في منصبه.
هؤلاء رجال دولة وربما مثلهم العشرات أو المئات، اعتبروا الوظيفة العامة تكليفا لا تشريفا، واستشعروا بعظم الأمانة، ومخافة أن يمسوا المال العام.
كان الأردنيون زاهدين بالمناصب واليوم التهافت على المنصب العام أصبح رائجا وبشتى السبل للوصول إليه، والتحايل على المال العام حدث ولا حرج، وثقافة أن المنصب أصبح ملكية خاصة ومزرعة للعائلة.
من يسلم ابنه منصبا وهو مسؤول على رأس عمله ، فقد جانب الصواب ، ربما مال عليه ظلما ولكن قد انتصر لنفسه بأن لا يلامس قراره أو قرار من هو تحت سلطته شيئا من عدم العدالة من تكافئ الفرص أو شبهة فساد ، ومن وقع في الشبهات فقد وقع في الحرام .
هناك غبن يستشعره الأردنيون كل يوم ، يفتقدون رجال النزاهة ، الحريصون على المال العام ، والذين يعيدون للوظيفة العام هيبتها ، تواقون لتكافئ الفرص بين الجميع على أساس العدل وسيادة القانون .
الأردنيون لا يخافون الجوع والفقر على دولتهم ، ولكن يخافون عليها من ظلم وفساد بعض مسؤوليها ، وكما قيل فإن بالعدل تدوم الدول وتبقى ، وبالظلم قد تزول وتمحى ، وحمى الله وطننا من كل شر وفتنة ومن كل فاسد وقصير نظر.