في المعاني الثقافية للعبارات
ابراهيم غرايبة
01-06-2017 01:04 AM
نستخدم، كما في سائر اللغات والثقافات، عبارات كثيرة لا تدل على معناها المباشر أو المستخدم في مواقف ومناسبات أخرى، ومن المفيد والمهم الاهتمام والتذكير بالمعاني الثقافية والاجتماعية للعبارات لأسباب عدة؛ التفهم والتأني في الحكم والفهم للنصوص الدينية وغير الدينية، وملاحظة أن الأفكار والمعاني تحلّ في اللغة والتعابير، لكنها في الأساس مستقلة عنها، وإن كان التعبير عنها بالقول أو الكتابة أو الرسم أو الصوت أو الرمز أو لغة الجسد هو الوسيلة الوحيدة لتقديمها وفهمها، لكن ذلك لا يجعل اللغة هي الفكرة، أو لا يمنح للغة سيطرة على الفكرة والمعنى، يظل المعنى ملتبسا متشابها ومحتملا وموضعا للتفكير والتعدد غير المحدود للفهم والتأويل والتطبيق، وفي المستوى الثاني من استخدام الاستعارات هو تجنب الصراحة في القول احتراما للمخاطب أو تجنبا للأذى والإهانة والشتم، وهناك أيضا المعاني الكامنة في العبارات والتي صارت تسبب الإحراج بدلا من العكس، ففي تجنب الفحش في القول صار للكلمات والعبارات أكثرها معنى فاحشا أو بذيئا، ويؤشر ذلك بالتأكيد إلى حالة اجتماعية وثقافية كاسحة ومتراكمة، ليست موضوع هذه المقالة على أي حال.
هذه مجموعة من العبارات ذات الدلالات الاجتماعية والثقافية المختلفة عن المعنى الحرفي، ومن الملفت أنها تستخدم في الثقافة الانجليزية نفس الاستخدام العربي. نقول "سامعك.. سامعك" تكررها الكلمة وبإيقاع خاص، وتعني بذلك لا أوافقك، أو لا أريد ان أناقشك، أو أني متضايق من كلامك، ونقول "مع الاحترام الشديد" (أو بدون الشديد) ونعني عدم التقدير، أو أن القول والفعل والسلوك الذي يعقب العبارة هو غباء. عندما نصف موقفا ما بالقول شجاع جدا، فالمقصود هو مجنون أو غير جدير بالاحترام والتقدير، ونقول عظيم، ممتاز، ونعني السخرية أو هو مخيب للآمال أو محبط، ونقول في العمل والاجتماعات والمقابلات أو للأصدقاء والمحدثين "أقترح عليك ان تفعل كذا" ونعني عدم الموافقة على ما تقوله أو تفعله، أو عدم الإعجاب به، ونقول "ملفت للاهتمام" ونعني هراء أو كلاما فارغا، ونرد على الاقتراحات والطلبات بالقول "سأضع الموضوع في الاعتبار" أو "رح أخليه في بالي" أو "لنتأمل خيرا" والمعنى بالطبع سوف أنسى الموضوع، أو لا مجال للمساعدة، وهي عبارة شائعة عند الأردنيين عندما يقصدهم أحد للمساعدة او الوساطة، طبعا الأردنيون يفهمون الإجابة على أنها نسيان او تجاهل، ولكن غير الأردنيين عادة يأخذون الإجابة على أنها وعد وقد يبنون عليها توقعات وأحلاما، وإذا حاولت أن تُفهمه أنها إجابة معناها انسَ الموضوع وبخاصة اذا كان الطلب المتوسط لأجله كبيرا وتعرف أنه يفوق قدرة أي أحد عدا فئة قليلة جدا يغضب منك ويفكرك تحسده، أوتستخف به.
ونقول "أكيد أنني مخطئ، هذا خطئي، يبدو أنني لم أوضح نفسي جيدا" ونعني العكس تماما أي أن المخاطَب مخطئ، وعندما نقول تفضلوا للغداء/ العشاء، او سلامي للأسرة والأصدقاء، فنعني بالتأكيد نهاية اللقاء وليست دعوة الناس بالفعل إلى غداء او عشاء، ونقول "أوافقك إلى حد ما أو نحن متفقان" ونعني بالطبع أننا لسنا متفقين، لكن لننهي النقاش او الخلاف بود أو يبدو أن الجدل وصل إلى أفق مسدود. ونقول في العمل وبخاصة في الصحافة "تقريرك أو مقالك بحاجة إلى تحرير أو فيه بعض الأخطاء" ونعني بالتأكيد "أرجوك أعد كتابته" وفي الصحافة الأردنية على الأقل يقول المحررون لكتاب المقالات "مقالك مستواه عال أو متخصص أو سقفه عال" والمعنى أنه لا يصلح للنشر، ونقول في العمل والاجتماعات "هل لدينا خيارات أو أفكار أخرى" ونعني أن الاقتراحات والأفكار المطروحة لا تصلح أو غير موافق عليها.
الغد