الرياض والدوحة: خيارات ما بعد التسريبات
د. زيد نوايسة
31-05-2017 04:38 PM
لا يمكن قراءة الهجوم الإعلامي المتبادل بين السعودية والامارات العربية المتحدة من جهة وقطر من جهة أخرى بمعزل عن سياق التحولات التي حدثت في قطر منذ الانقلاب الأبيض الذي قاده الأمير السابق الشيخ حمد بن خليفه على والده الأمير خليفة بن حمد آل ثاني بتاريخ 27/6/1995 والذي لم يلق قبولاً من معظم الأقطار الخليجية آنذاك بالرغم من مباركته من بعض الأقطار العربية التي لم تكن على وفاق مع دول مجلس التعاون الخليجي نتيجة انحيازها لنظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين أبان احتلال الكويت الذي أحدث شرخاً كبيراً في العلاقات العربية العربية ما زالت اثاره حتى الآن، ولم تتأخر قطر عن ادراك الرسالة الخليجية المترددة في دعم الانقلاب فكان الخيار بالذهاب للولايات المتحدة الامريكية وانشاء قاعدتين عسكريتين هما العيديد والسيلية حتى ان الاسطول الأمريكي الخامس المتواجد في البحرين كان مرشحا للانتقال لقطر الأكثر استقراراً في فترة زمنية سابقة.
أطلقت قطر قناة الجزيرة الفضائية سنة 1996 وكانت من أهم المشاريع الإعلامية الأكثر تأثيراً في العام العربي، بدأت الفكرة بعد حل وزارة الاعلام القطرية واتخذت من فكرة أنشاء قناة أوربت الفضائية بين السعودية وهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) منطلقاً لها ولتي سرعان ما فشلت بسبب الرقابة الصارمة من السعودية، التقطت قطر الظرف وتعاقدت مع الصحافيين الذين تدربوا في (بي بي سي) وتم تأسيس القناة كقناة فضائية خاصة يملكها رجال أعمال وتجار بما في ذلك أعضاء من الأسرة الحاكمة القطرية، ولكن مجلس الإدارة اعطى القناة هامشاً تحريرياً مستقلاً مما مكن القناة من ملامسة قضايا في منتهى الحساسية لم تكن معهودة ومقبولة في المجتمع الخليجي وقدمت برامج مرتفعة السقف في مختلف المجالات سواء في السياسة العربية والقضايا الاجتماعية والاقتصادية والثقافية المثيرة للجدل، واستقطبت هذه البرامج جمهوراً عربياً واسعاً، وساهم تفردها عربياً في ذلك الوقت في استقطاب الجمهور العربي والمسلم باعتبارها الأكثر قرباً منهم ومن همومهم بالرغم من أن طريقة الاخبار والتقارير كانت معالجة بطريقة احترافية بحيث توصل رسائل سياسية خطيرة وقد تردد يومها أن خبراء إعلاميين وسياسيين من أصول فرنسية هما الاخوان ديفيد وجان فريدمان لم يكونوا بعيدين عن تلك القناة من خلال تقديم خبرتهم الإعلامية.
الانقلاب الذي يعتبر بداية حقبة مهمة في السياسة القطرية التي مكنتها من لعب أدوار تفوق حجمها بشكل مذهل مستخدمة إمكانياتها المالية ووسائل الاعلام التي تديرها مباشرة أو تمولها من خلال التدخل كوسيط أو راعي لاتفاقيات التسوية في المنطقة العربية والإقليم وحتى العالم؛ بدأ من التدخل في جمع الأطراف الصومالية في الدوحة الى التدخل في قضية الصحراء الغربية الى دار فور في السودان الى اليمن وصولاً لانخراطها المباشر في تداعيات الربيع العربي والمساهمة مالياً وعسكرياً وبشكل مباشر في اسقاط نظام العقيد القذافي واستثمار الثورة على نظام الرئيس مبارك في مصر ودعم الاخوان المسلمون وحكم محمد مرسي والتدخل في الشؤون المصرية الداخلية والحديث عن أن الرئيس السيسي لا يمثل الشرعية ودعم حركة حماس واستضافة قيادتها واعتبارها ممثلا شرعياً وحيداً للشعب الفلسطيني وتجاهل منظمة التحرير الفلسطينية والانخراط المباشر في الازمة السورية ودعم فصائل مصنفه ارهابياً والإصرار على أسقاط الأسد ونظامه والانحياز لأطراف مسلحه في ليبيا والتدخل في الملف العراقي ودعم ما يسمى التيار السني وبتنسيق مع الحليف التركي والإبقاء على خطوط التواصل مع ايران مبررة أن المصالح المشتركة تفرضها.
جاءت الازمة الأخيرة بين السعودية والامارات بالرغم من النفي القطري القاطع للتصريحات التي نسبت لمسؤوليها أن موقع وكالة الانباء القطرية تعرض لاختراق والذي لم يخفف من ردة الفعل الإعلامية حتى اللحظة؛ وبالرغم من قبول فرضية تعرض الموقع للاختراق فعلاً، ألا أن الامر لم يكن مفاجئاً للمراقبين لأن السلوك السياسي المعلن لدولة قطر لا يخرج في جوهره عما ورد في التصريح من ناحية دعم الاخوان المسلمون ومشاكسة مصر والامارات العربية المتحدة والمحاولة ولو بطريقة غير مباشرة مناكفة ومنافسة السعودية في أكثر من ملف بما فيها الملفات التي يسعيان فيها لنفس النتيجة وتحديداً أسقاط نظام الرئيس الأسد والملف العراقي واليمني؛ والأهم من كل ذلك عدم الذهاب بعيداً في العداء والخصومة مع ايران وكل ذلك ينطلق من حسابات قطرية بحته ولم يمنع بنفس الوقت ان يكون لقطر علاقات خاصة وتنسيق مع إسرائيل وبنفس الوقت ان تكون الراعي والحاضن بالاشتراك مع تركيا أردوغان لحماس المصنفة مع حزب الله على قائمة الإرهاب أمريكيا وإسرائيليا وعربياً بعد قمة الرياض العتيدة!!
من الواضح ان قطر اليوم تمر بأزمة غير مسبوقة؛ لم تبدأ بالتأكيد بعد قصة الاختراق التي لم تقنع خصوم قطر الخليجيين أولاً بل أن الصحافة الامريكية ومراكز دراسات مهمة في الولايات المتحدة الامريكية بدأت تتحدث من عدة أسابيع عن ضلوع مباشر لقطر في دعم الإرهاب وتمويله وتسرب أن دوائر في الإدارة الأمريكية بصدد دراسة خيارات من ضمنها نقل القاعدتين العسكريتين لدولة الامارات وربما فرض عقوبات على قطر.
هناك غضب وقلق سعودي لم يبدأ مؤخرا لأن قطر منذ زمن ليس قريب تزاحم السعودية التي تتصدر اليوم بفعل جملة التحولات الاستراتيجية ليس فقط المشهد الخليجي بل أن مصر الكبرى تتراجع امام الدور السعودي المتنامي في مجمل الملفات الكبرى والذي يفرض عليها أن لا تقبل بتدخل قطر وتسيدها ملفات كبرى ويقيناً أن السعودية اليوم وهي مزهوة بفائض القوة بعد الاتفاقيات الهائلة مع الإدارة الامريكية لن تقبل بأي دور للأمارة الصغيرة يتجاوز حجمها ضمن المنظومة الخليجية وبما لا يخرج عن سياق القراءة الاستراتيجية السعودية للعلاقة مع الخصم والعدو اللدود "أيران"، وهي لن تسمح لأي حليف لقطر أن ينافسها على زعامة العالم الإسلامي بسنته وشيعته وهذا يعني أنها لن تكون أبداً مرتاحة لعلاقة الدوحة مع طهران أو الاستمرار في تحالفها مع تركيا التي تنافس السعودية من خلال خليفتها على زعامة وقيادة الإسلام السني!!
قطر على مفترق طرق حقيقي ولن تستطيع أن تجمع الصيف والشتاء على سطح واحد لأن خصومها كثر وهم بالتأكيد يملكون أدوات تأثير فاعله تفوق قدرتها وتحالفاتها!!