المديح في الوجه مذمة
هل نبدو هبلا إلى الدرجة التي يسيل فيها لعابنا من بين شفاهنا (أي سايلة ريالتنا) بحيث أن هناك بعض من يظنون أنهم قادرون على تسويق أنفسهم علينا لمجرد أنهم يمدحوننا في وجوهنا أو يمدحون الملك على صفحات الجرائد بطريقة فجة متهالكة تشي بكذب صاحبها ، وتكاد تطل بكل وضوح من بين السطور نوايا المداحين التي تبحث عن دق أسافين في الصف الأردني ، وتجعل من النفاق الممجوج مدرسة في الوطنية يخفق في حب الوطن كل من لا يتقن دروسه فيها .
وأصحاب هذه المدرسة الذين فتحوا الكثير من التخصصات الوطنية الجديدة فيها ، من تخصص الصوفية السياسية وعقد حلقات الذكر ، إلى حلقات الدروشة السياسية واللعب بالمسابح المزركشة والصراخ بأعلى الأصوات في زوايا دراويش السياسة مدد يافلان مدد... ومدد ياعلان مدد ، ولا يمكن أن يكون بأي حال من الأحوال لا فلان ولا علان ، من أهل الله أو من الوطنيين الأحرار الذين رسموا بدمائهم أفاقا للوطن بل لابد أن يكونوا من أصحاب المعالي أو الدولة ومن أصحاب رؤوس الأموال ، الذين تنوء بمفاتيح خزائنهم العصبة أولي القوة .
لم تدمر كل المقدمات الرئيسية لرفعة الوطن على مر العقود الطويلة وباستمرار إلا جراء النفاق السياسي والاجتماعي ، وبسبب أصحاب الأقلام السيالة التي سخرت للمديح لا من أجل الله ولا من أجل الوطن ولا من أجل الأردن ولا من أجل فلسطين ولا من أجل الذين يأكلون من حاويات القمامة ولا من أجل الذين يتدفئون على بابور الكاز ، ولكن من أجل الذين يسرقون أغطية المناهل ليلا من الجوع ولا من أجل الأردنيات اللواتي زغردن من أعماق حناجرهن عندما وزع الملك مائة دينار في العيد الماضي ، ولكن من أجل أعطيات بعشرات آلاف الدنانير تعطى من خزينة الدولة لدراويش المديح السياسي ولمن يرفع صوته أكثر بنداء مدد يا دافعين مدد ...
هذا النفر من الناس مازال يعيش في ذات عهد كان الناس لا يستطيعون فيه الاعتراض على من يمدح الملك ، أيا كان نوع المديح وقد كان ذلك الاعتراض في زمن ما تطاول على مقامات عليا ، بينما ونحن نعيش في عصر الديمقراطية والانفتاح ، وعصر العلم وفك الحرف ، فإننا نفرق وبسهولة ويسر بين المديح الصادق وبين الهرج الممجوج ، وقالت العرب أن المديح في الوجه مذمة ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ذو الوجهين لا يكون عند الله وجيها " ، والأردنيون ومنهم الملك لا يحبون الإسراف في المديح فهو أقرب إلى السخرية منه إلى الوقار ، وابعد ما يكون عن الصدق والعفوية .
ثم كيف يمكن أن تمدح الملك وتذم اختياره لرئيس وزراءه ، كيف يجرؤ أحد على الاصطياد في الماء العكر إلى هذه الدرجة المغرقة في الإسفاف ، هل هان علينا الوطن وهانت علينا أنفسنا إلى هذه الدرجة ، هل بضعة آلاف من الدنانير ، أو بعض أعطيات ، إعطائها أو منعها يفعل كل هذا بالناس .
لا يمكن أن تهتدي الأمة بنخب ثقافية وفكرية وسياسية تسبح بحمد الأغنياء بدل الله ، وتمدح الحاكم بإسفاف وهو ليس بحاجة وهم ليسوا مضطرين ، ولا يمكن أن يكون الأردن أولا وكتائب الطبل والزمر من المداحين الذين يقفون على باب السلطان لا يزالون يمدحون حتى يقذفون بصرة فيها بعض المال والكثير من الهوان .
الكل يحب الملك في الأردن ، والكل يعلم أنه لو ترشح في الانتخابات لحصل على أعلى الأصوات بنزاهة ، والكل يعلم أن الأردن دولة ملكية دستورية ، ولكن مدح الملك له آداب ومن آداب مدح الملك أن يكون بوقار وأن لا يثير في نفس العامة مشاعر من الحيرة والتعجب في شأن المادح ، ثم من العيب أن يكون مدح الملك مقدمة لهجاء وشتم أردنيين آخرين من ذوي الشأن ومن أصحاب المقامات التي يرى الملك أنها تستحق الاحترام والتقدير .
انتقدت رئيس الوزراء في عشرات المقالات وبصورة مباشرة ولأسباب وطنية واضحة ، لكنني أجد نفسي مضطرا للدفاع عن رئيس الوزراء هذه المرة الذي هو رئيس حكومة الملك وأن أدافع عن ملك البلاد وأرفض أن يقوم منافقون بمدح الملك بهذه الطريقة الفجة الخالية من الوقار لأن ذلك ذم وقدح لمقامات عليا بل لأعلى مقام في الدولة .
عدنان الروسان
adnanrusan@yahoo.com