في عالمنا العربي قد تكتب ألف مقال عن الفساد وعن خطر داعش وعن تجبر الحكومات ولا يعرفك سوى أقربائك وجيرانك، ونادرا ما يتصل معك أحدهم ليقول لك: أبدعت. بينما صدقوني أن الشيف الرمزي معروف أكثر من دولة هاني الملقي، وعادة ما يكون هناك ضغط اتصالات على برنامجه لمعرفة كم رشة فلفل تحتاج الطبخة، أو أيهما يفضل زيت الزيتون أم زيت النخيل، بينما أحد البرامج السياسية الذي كان يناقش مخرجات المؤتمر الإسلامي وخطر المد الشيعي، حين فتح المذيع باب الاتصالات لم يتلق سوى اتصال واحد يسأل عن موعد بث برنامج الشيف رمزي في رمضان!
حين يصف الشيف رمزي طريقة صنع (المهلبية) بالشوكلاته، أرى حجم التفاعل الكبير مع (المهلبية) وكأنها خلطة نووية ستكون حلا لمشكلة الطاقة في الشرق الأوسط، وكل ما فعله هو وضع الحليب في قدر وإضافة السكر والنشا والاستمرار بالتحريك، ومن ثم يوضع الخليط على نار متوسطة الحرارة الى أن يغلي ويصبح سميكا. يرفع الخليط عن النار وتضاف اليه الشوكلاته وتقلب الى أن تذوب وتخلط جيدا. يوضع في كؤوس فردية ثم يترك ليبرد قبل أن يوضع في الثلاجة.
في اليوم التالي الكل انصاع لوصفة الشيف رمزي بحذافيرها، وصنعوا المهلبية ولم يخالف أحد تعليماته، بينما وزير الداخلية أطلق عشرات التحذيرات والتهديدات بحق مطلقي العيارات النارية، والظاهرة للأسف الشديد في ازدياد!!
كنّا في دعوة كريمة من أحد الأصدقاء في أحد المطاعم المعروفة، وبعد الانتهاء من الفطور، حضر شيف المطعم للاطمئنان على لذة الاطعمة التي قام بتقديمها. نصف الموجودين التقطوا معه سيلفي وشكروه، وحين حضر الى طاولتنا تعجبت من حجم الأوسمة التي يضعها على صدره وكأنه شارك في كل المعارك ضد الاحتلال والاستعمار!
كان يضع إشارة البطاطا وهذا باعتقادي تكريم على اجتيازه بنجاح دورة قلي (البطاطا). وهناك شوكة وسكين، وهذه إشارة بالغة الاهمية على أن الرجل له خدمة طويلة وله خبرة واسعة وانه حاصل على إعفاء جمركي وجميع العاملين في المطبخ يؤدون له التحية. الحاصل على هذه الرتبة يكتفي فقط بإعطاء التعليمات بالمطبخ ولا يقوم بتقشير الباذنجان أو نقر الكوسا احتراما لمكانته. وهناك أيضا إشارة (سمكة) كدليل على أنه خبير استراتيجي في طبخ السمك، وإشارة دجاجة كمختص بشؤون الدجاج، أما (كتف الخاروف) فإشارة إلى أن الرجل ختم العلم ولم يبق شيء ليتعلمه، وهي تشبه رخصة قيادة جميع السيارات، بينما الكتاب والشعراء والمفكرون لم ينالوا طوال مسيرتهم ولو قلم بك جافا على صدورهم!!
صعقت حين استفسرت من صاحب المطعم عن راتب هذا القائد الملهم، فوجدت أنه بالآلاف، لأنه حاصل على جميع الدورات والأوسمة، وصدمت ان صاحب المطعم يحاول بجميع الطرق إرضاءه لأنه سيكون في ورطة كبيرة إن ترك العمل!
في بلدنا ترك رؤساء وزراء العمل ولم نكن أبدا في ورطة، ولا أذكر إن تركوا أي فراغ، وأنا شخصيا غبت ذات زمن عن كتابة مقالي لأسابيع لعارض صحي طارئ ولا أذكر أن أحدا شعر بغيابي!
أعلن استسلامي أمام الاخ رمزي، فالمستقبل الواعد واضح، إنه لمن يعرف طريق البطون لا لمن يعرف طريق العقول!!
الغد