التفكير خارج صندوق الهدايا
سامح المحاريق
31-05-2017 01:05 AM
أتت كلمتا الأردن ومصر في المؤتمر الإسلامي – الأميركي خارج صندوق الهدايا الذي ظهرت عليه القمة، ويبدو أن تنسيقاً على أعلى المستويات أتى ليطرح القضايا الخلافية خارج الثيمة الأساسية التي تقصدت من خلالها دول الخليج العربي أن تصنع حائطاً للصد أمام ايران، وهو ما يعتبر أحد أعراض المشكلة التي تعاني منها المنطقة دون أن يكون مرتبطاً بالأسباب التي أدت بالمنطقة العربية للوصول إلى هذه المرحلة.
أثارت تصريحات الملك خلال الأشهر الماضية الغضب على أكثر من صعيد وخاصة في صفوف من يريدون أن يمنحوا الجانب الإسرائيلي فرصة للتقدم إلى علاقات طبيعية في المنطقة مع تمكينها من القفز على ضرورة الحل العادل والشامل للقضية الفلسطينية وبكامل التبعات التي ترتبت على ممارسات اسرائيل منذ تأسيسها، وخطاب الملك أتى لينذر بخطورة أن يكون التلويح بالخطر الإيراني مدعاة لحجب التأزم على مستوى القضية الفلسطينية، وخاصة في ملف الدولة الفلسطينية التي من شأنها أن تكون أرضية للانطلاق منها لتأسيس حياة كريمة للفلسطينيين المحاصرين بمختلف مظاهر العنصرية والعنجهية الاسرائيلية، وكانت النقطة الثانية تتعلق بالقدس ووضع العاصمة الذي يخضع لتهديدات شتى من إسرائيل، ولا سيما أن تل أبيب ستكون العاصمة التالية للرياض على جدول زيارات الرئيس الأميركي.
بالطبع لن ينتظر الإسرائيليون رسائل المؤتمر، فالمؤكد أنهم يعلمون مجريات الأحداث في الرياض وكيف تتبلور الرؤية الأميركية للمنطقة، ومشكلة اسرائيل المقبلة أنها ستفقد تنافسيتها بوصفها بديلاً محتملاً للأميركيين مع الوقت، فأي دور يمكن أن تؤديه اسرائيل بوصفها أكبر قاعدة عسكرية في العالم في منطقة ما عادت تعتبرها، باستثناءات محدودة، المشكلة الأولى بالنسبة لها، وما الذي تستطيع اسرائيل أن تقدمه مقابل ما حصلت عليه الولايات المتحدة في الرياض.
الاحتمالات الصعبة هي أن تنتقل أرضية المعركة المقبلة على صياغة مستقبل المنطقة إلى البيت الأبيض، فأثناء الزيارة بدأ الحديث يدور عن اجراءات عزل الرئيس الأميركي والمسار القانوني الذي يمكن أن يتخذه هذا المسعى الذي لم يتبلور بعد، ولكن في جميع الأحوال فالوقوف بكامل الزخم خلف الرئيس ترمب لا يعد الخيار المناسب، ويجب أن تكون ثمة قائمة شروط مرجعية لعلاقته مع المنطقة التي تعد غير مسبوقة في ملابساتها وفي مسارها.
الرهان على ترمب كان خياراً أخيراً بعد الفوضى العارمة التي اجتاحت المنطقة والتي سبقت الربيع العربي، فالمشروع إذا كان ينتسب لأحد فهو للآنسة كوندليزا رايس والوحيد الذي يمتلك الجرأة لنقضه هو شخصية من عينة ترمب، ولكن في أي اتجاه يمكن أن ينقض، وإذا كانت ثمة ملاحظات حول شكل وموضوع الدولة في المنطقة العربية، فهل الحل يكمن في اللا دولة على طريقة رايس وكلينتون؟
جرد الحساب مسألة مطلوبة والمنطقة بدأت في التغيير ولا أحد يعلم تحديداً إلى أين وما الوقت الذي تستغرقه وما الشكل الذي سينتهي له ذلك، ولكن في جميع الأحوال سيكون أفضل مما لو مضت مخططات الإدارة الأميركية السابقة في الطريق الذي أوصل سوريا واليمن إلى الوضع القائم تحديداً، فالمشكلة لا تكمن فقط في وجود مخلفات لمرحلة الرئيس أوباما الذي كانت سبباً رئيسياً في الوصول إلى الوضع الراهن، ولكن في تراكم الأخطاء والاصطفافات وردود الأفعال التي جعلت من الصعب أن يعود أحد إلى نقطة تشتمل الحد الأدنى من التوافق لبناء توافق عربي جديد بالتأكيد يحتاج لمزيد من التفاعل ومزيد من الجرأة والخروج من الصندوق الذي ليس للهدايا وما زالت تملؤه الكثير من المفاجآت والألغام.
والأردن تحديداً يحاول أن يقتنص اسرائيل في مرحلة عدم وضوح الرؤية بالنسبة لسلوك وشهية الرئيس ترمب وأن يدمج مطالبه المشروعة بالصفقة الكبرى في المنطقة، ويبدو أن ذلك جرى بالتنسيق مع مصر وحتى توزيع الأدوار في اللقاء الذي جمع بين الملك والرئيس السيسي قبل القمة، والتواصل الجانبي مع الرئيس الأميركي من قبل الطرفين والذي لم يكن سرياً بالمناسبة.
الرأي