من الصعب الحديث عن الاختراق الإعلامي لـوكالة الأنباء القطرية في "جزيرة الإعلام" ((قطر)). ذلك الاختراق الذي وقع (يوم 22/05/2017) أقام الدنيا ولم يقعدها في الخليج العربي والعالم. وإن حصل، فإنه مؤشر على الهشاشة الإعلامية والأمنية القطرية. ويلقي بـ (قطر وقيادتها السياسية) على صفيح إعلامي ساخن هذا الصيف.
ولأن قطر دولة قائمة على (الإعلام والأمن) فمسألة الاختراق صعبة جداً، وعملية نسب حديث لأمير قطر تميم بن حمد، في وسائل الإعلام القطرية الرسمية، يتناول فيه "رؤيته" شبه المعلنة لـ: المسألة الفلسطينية والعلاقات العربية العربية وعلاقة قطر بإيران و(إسرائيل) وأميركا.. يعتبر أمراً في غاية الصعوبة.
الخطورة في هذا الاختراق أو التسريب (بالون الاختبار) الإعلامي، أنه أثار زوبعة بل عاصفة سياسية وإعلامية هوجاء من مختلف الاتجاهات والأطراف. والأخطر من هذا اللغط الإعلامي، أنه انعكس سلباً على العلاقات العربية العربية، وكأن المراد من هذا الاختراق إحراج قطر أو تخريب العلاقات العربية. ولم تستبعد أوساط إعلامية ضلوع إيران أو إسرائيل في هذا الاختراق الإعلامي الذي نحسبه نحن من المحاولات الدعاية الإيرانية ـ الإسرائيلية كجزء من الحرب النفسية ضد العرب.
الاختراق لوكالة الأنباء القطرية كان بعد يوم تقريباً من "القمة العربية الإسلامية الأميركية" في العاصمة السعودية الرياض (يوم 21/05/2017) وعقب الزيارة التاريخية للرئيس الأميركي دونالد ترامب. إذن، التوقيت لهذا التسلل الإعلامي كان من أحسن الأوقات. وكان ما نسب للأمير بمثابة (القنبلة الموقوتة) بل (بالون الاختبار) لأفكار سياسية تؤمن بها قيادة جزيرة قطر من بعيد أو قريب.
علاقات الصداقة الطيبة بين قطر و(إسرائيل) وحماس لا يمكن لأحد إنكارها. والانجذاب القطري لإيران وتركيا وإسرائيل لا يخفى على أحد. المسألة الخطرة إعلاميا التصريح العلني بأن إسرائيل وإيران جارتان ممكنتان وطبيعيتان، والقول بأن حماس هي التي تمثل الشعب الفلسطيني (الممثل الشرعي والوحيد) والدعم القطري العلني للجماعات المتشددة في سوريا وليبيا، والادعاء بأن القاعدة العسكرية الأميركية في قطر لحمايتها من الأشقاء العرب.
ماذا ترتب على هذا التسريب الإعلامي القطري (المسمّى بالاختراق) من تداعيات سياسية "بين عربية" خطير جداً، مثل: سحب سفراء، إغلاق حدود ، إيقاف نشاط مواقع إعلامية قطرية، تبادل الاتهامات الرسمية ،وقف التنسيق الأمني مع قطر، اشتعال الحرب الإعلامية بين (مصر والإمارات والسعودية) من جانب وقطر من جانب آخر، التراشق الإعلامي بين السياسيين والإعلاميين العرب وبالكلمات عبر مواقع التواصل الاجتماعي والوسائط المتعددة، إلخ.
السؤال الذي يطرح نفسه الآن لماذا تسمح قطر (وهي قلعة الإعلام والأمن) بهذا الاختراق المؤسف، ولماذا لم تكشف عن المخترقين والجناة بعد ؟؟ إن ما تتعرّض إليه قطر الآن من تحدّيات وتغييرات يجعلها فعلاً في ورطة و"ازمة ثقة" في العالم العربي. كما يضع قطر، وللمرة الأولى تحت الشمس اللاهبة، مكشوفة على صفيح إعلامي ساخن في هذا الصيف. وورطة الجزيرة (قطر) في أنها كانت على المستوى العربي "مشبوهة في أيديولوجيتها" وولاءتها وحراكها ونشاطها الموسوم بالانحياز لإسرائيل وتركيا والإخوان وربما إيران والحركات الدينية المتطرفة في سوريا ومصر وليبيا وفلسطين، وهناك مصطلح أطلقه من قبل الرئيس الأميركي السابق باراك اوباما بات ينطبق على قطر والحركات الإسلامية المتشددة التي تدعمها وهو أنها تمتلك "أيديولوجية راقصة".
الأصعب من هذه الورطة الإعلامية (التي تسمّى :الاختراق) أن قطر الصغيرة وقعت الآن بين براثن ثلاثة أعداء : (جمهورية مصر العربية ، والمملكة العربية السعودية ، والإمارات العربية المتحدة). وهي دول عتيدة وعميقة وعريقة في عروبتها وحريصة أشد الحرص على أمنها القومي. وبالتالي على قطر أن تتحمّل تبعات هذه الورطة، ولا أعتقد أن قطر أحضرت المتاعب لنفسها، ولكن عليها أن عليها أن تتحمّل الصفعات واللكمات ذات الاتجاه العروبي.
هل أزفت ساعة الحقيقة لدولة قطر "المتمردة والخارجة عن الصف العربي" كما يقول البعض الإعلامي؟ هل أمير قطر الشاب (المنقلب على والده) قادر على الاحتماء بأحد (غير إسرائيل وإيران وتركيا الإخوان) ليهرب بريشه من التحالف العروبي الجديد الذي يشتري راحته بمئات المليارات؟ هل تستنجد قطر بفضائية الجزيرة (مجدداً) من أجل حل أزمتها؟ مع العلم أن هذه القناة فقدت مصداقيتها الإعلامية وهبطت شعبيتها بشكل مدوٍ في السنوات الخمس الأخيرة إثر اندلاع مواجهات (الربيع العربي عام2011)، وصارت متهمة بـ "إثارة الفتن" وبـ "أنها الفضائية التي أحدثت أكبر اختراق في الإعلام العربي لصالح إسرائيل "، وأنها (كما تقول تسريبات وثائق "ويكيليكس" اصبحت "جزءً من سياسات القوة power politics" في الأيدي الأمنية القطرية ولوزارة الخارجية القطرية بالتحديد.
إنها تساؤلات قيد الإجابة، وهي رهن الرصد للتداعيات على مستقبل الجزيرة الصغيرة "قطر". ونحن أمام تحوّلات تاريخية قد تحصل لهذه الدولة الشقيقة التي بدأت تنكشف ولاءاتها للقاصي والداني بدءاً من نسب الأمير القطري تميم للوهابية وولاءات القيادات القطرية المتعاقبة المرتبكة لـ "مثلث برمودا منطقة الشرق الأوسط" أي: إسرائيل وتركيا وإيران.
كل المؤشرات تقول إن قطر بعلاقاتها الطيبة مع كل من إسرائيل وتركيا وإيران لن يتركها تملص من الاستحقاق والإنكشاف والاعتراف التاريخي (إما الانتماء للعروبة، أو البقاء خارج الصف العربي)،.. فهل ينطبق على قطر المثل القائل "ربح العالم وخسر نفسه"؟.