الإعلام التقليدي والتحديات المعاصرة
د. تيسير المشارقة
29-05-2017 02:18 PM
لم يعد الإعلام كما سبق متغوّلا عليه وضعيفا في دولة صغيرة تتكالب عليه السلطات الثلاث. السلطة الرابعة محشورة في زاوية الاتهام دائماً تدير أعمالها وزارات الدفاع. نحن بحاجة لسلطة خامسة. في واقعنا الحالي لم تعد هناك "سلطة إعلام رابعة" وإنما (قوة إعلامية) يتداخل نفوذها مع (القوة السياسية) و(القوة الاجتماعية) و(القوّة الاقتصادية)، في وقت تمّحي فيه السلطات الثلاث آنفة الذكر حسب منطق الفيلسوف الفرنسي مونتسكيو.
الواقع الإعلامي يعيش مرحلة من التغييرات الجوهرية والتحديات الصعبة. فضائية الجزيرة (على سبيل المثال) فصلت500 من موظفيها، والصحف التالية أغلقت أبوابها: السفير والحياة.. والإعلام التقليدي أو الحكومي يتخبّط ولا يعرف على اي طريق يسير؟ أما الإعلامي المهني فهو تائه بين مطرقة الوسائل المتعددة والصيغ الاجتماعية لوسائط الاتصال وسندان تغوّل القوّة السياسية التي تحاول الهيمنة على الإعلام المعاصر وشروط نشاطه. أما شرط الحيادية فلم يعد مهماً بالنسبة للإعلام المعاصر، بينما المصداقية والموضوعية والاستقلالية (فقد اصبحت عملات نادرة). كيف يمكن تبرير هذا السقوط المدوّي للإعلام التقليدي في بحر سنوات قليلة. يبدو أن نظرية الأجيال في الوسائط الإعلامية باتت حقيقة، فالأجيال الجديدة تولد وتتكاثر كما الفطر بعد كل شتوة. نحن لم نستفق على (الأندرويد) و(الجي 3) حتى تسارعت بعض الشركات في ادخال الـ (جي 4) إلى الأسواق. ونلحظ بلمح البصر السقوط المدوّي لإمبراطورية نوكيا الفنلندية لتحل محلها شركات الأبل[الآيفون] الأميركية، والسامسونغ الكوري الصيني.
الآن صارت التلفزيونات المعاصرة تبث عبر الانترنت وكذلك محطات الإذاعة. واستحوذت الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي على عقل وذهن الأجيال الشابة. وصارت التطبيقات السوبر حداثوية مثل (واتس آب) و (سنابشات) و(انستغرام) تنافس مواقع تواصل اجتماعية حداثوية مثل (فيسبوك) و(يوتيوب) و(تويتر).
يكفي أن تحمل جهاز هاتف حديث لتتصل بكل الكون عبر (تانغو) و(ايمو) و (فايبر) و (توكري) وعبر (سكايبي) و(ماسينجر فيسبوك) وصرنا نتخاطب "صوت وصورة" بالمجان.
أمام هذا الانفلات لوسائط الاتصال المتعددة، نجد أن القوى العالمية السياسية والاقتصادية المتنفذة باتت تهيمن على القسط الأكبر من هذه الأدوات. أما القوة الاجتماعية الصاعدة فاستحوذت على وسائطها ايضاً في مواجهة القوتين السياسية والاقتصادية، والخطورة تكمن في امتلاك قوى فاشية اجتماعية أدواتها الاتصالية بتواطؤ من القوتين السياسية والاقتصادية.
لقد تضخّمت "قوة الإعلام" وصارت لها حصة في "القوة السياسية" وحصة في القوتين الاقتصادية والاجتماعية. تغيّرت الأزمان والأحوال. نحن الآن نتندر على أيام زمان عندما كان الإعلامي يحمل المعلومة في جيبه لفترة طويلة ويخاف من إطلاق سراحها، بينما هو الآن يبعثر المعلومات من كل النوافذ المتاحة دون سيطرة أو هيمنة عليه. الإعلامي التقليدي بات عاجزاً أمام المتغيرات وصار الإعلامي إما (شاهد عيان) أو (فنان) يقوم بـ (أداء جديد) ويقدم لنا (الخطاب) الذي يريد.