الحاجة لتوثيق ذاكرتنا الشفوية
د.مهند مبيضين
28-05-2017 12:16 AM
تراثنا الشفوي بات في حكم المهدد بالانقراض، والأسرع انقراضا الموروثات الثقافية التي هي اليوم جزء من ذاكرة الناس وحياتهم، وهذه الذاكرة تحتاج لمن يوثقها وينهض بها، ويضع لها برنامجا وطنيا للتوثيق للحفاظ على السرديات وبنائها.
ثمة اتفاقيات وقعت عليها وزارة الثقافة مع اليونسكو، وهذه الاتفاقيات تحتاج إلى تفعيل ومباشرة سريعة في العمل، وهناك مراكز ثقافية تحتاج لمن يعيد الروح إليها لتنهض بمسؤولية أخلاقية تجاه مشروع الثقافة الأردني.
لا تمضي الثقافة هكذا دون تذكر ولا تفقد لذاكرة الناس، ولا يمكن لنا أن نرسم خطوط التاريخ دون التعامل مع فن التوثيق الشفهي ورصد الأشخاص الذين يحملون في وعيهم وذاكرتهم صور الماضي.
وهناك الكثير من الأمثلة، ومنها ذاكرة الناس أواخر العهد العثماني وزمن الإمارة وهي موجود لدى نفر قليل من معمري الأردن ممن ولدوا في أواخر العشرينيات من القرن المنصرم ومن سمعوا عن أبائهم، ولو رصد هؤلاء الأشخاص فسنجد أن عددهم قليل، وهؤلاء يجب اللحاق بهم لتوثيق ذاكرتهم عن أحداث زمن التأسيس الأردني، لعلهم يمدوننا بقصة جيل الذين شهدوا بناء الدولة الأردنية، في عصر الإمارة، وهناك الكثير من الأمثلة التي تحتاج لجهود خالصة لوجه الثقافة والوطن كي نكتب قصته الموجودة في صدور الناس.
ثمة عادات وطقوس وقصص وخرافات وأساطير ما زالت حاضرة في قرانا وهذه تحتاج إلى توثيق علمي دقيق، وهناك الانماط والأنساق والتقاليد والأعراف، والاهم أوجه النشاط العام من تجارة وحرف وصناعة، ومثال ذلك توثيق الحرف اليدوية والمنتوجات، والعاملين في جوانب الحياة المختلفة وسيرة المقاهي وبدايتها، وكذلك الحدبث عن ذاكرة البطولة ورواية الحروب الأردنية على ثرى فلسطين.
تصعد الثقافة ويرتفع نصيبها حين يكون هناك وعي بها، والذاكرة هي الجزء الأكثر أهمية في بنية النظام الثقافي، ويجب التذكير هنا أن كثيرا من الأمم الحية جمعت أساطيرها وبعض في الوقت القريب وثقت كتاباتها أبناء المدن على الجدران، وبضها رصدت مرابع أغنامها وأسواق الغنم فيها وبيادر القمح، وبعضها رصدت مواطن التجار وأماكن تجمعهم السنوية وتتبعت خطوط التجارة.
ونحن نسأل ما الطريق الأمثل للوصول إلى توثيق علمي ممنهج قادر على إعادة الروح لذاكرة الأفراد عبر التواصل مع الماضي. لا حل إلا بزيادة الاهتمام بثقافة التاريخ الشفهي وتحويلها إلى مشاريع عمل في الجامعات والمؤسسات الثقافية المعنية بحفظ تراث الوطن. ولا حل دون تحول جذري في النظرة إلى التاريخ والوثيقة ولا حل إلا بالتثاقف الخلاق حول ترسيمات التاريخ الحي في نفوس الناس.
بعض الأشقاء العرب نجحوا في توثيق التاريخ الشفهي ومن ذلك التجربة السعودية والتجربة الفلسطينية هي أمثلة واضحة، وقد كان هناك جهود في الأردن لكن لا اعرف أين ذهبت وهل هناك نية لتحويلها لمشروع مؤسسي أم لا؟ هناك جهود سابقة في الأردن، لكنها تحتاج لتراكم ليتحول إلى مؤسسات.
المذكرات ايضا تواجهنا بها مشكلة، هناك ساسة لم يكتبوا شيئاً وقد شهدوا احداثاً مفصلية، وهناك من كتبوا، لكن كتاباتهم تحتاج لتوثيق ومراجعة وتحرير جيد. لدينا منذ التسعينيات بدايات جدية للمذكرات السياسية لكنها لا تكفي.
Mohannad974@yahoo.com
الدستور