(حجيج وأعياد واحتلالات .. )
محمد رفيع
13-12-2008 03:26 PM
واقعات كبرى، في تاريخ البشر، هي ما تجعل النفوس تهفو الى اماكن و عمرانات محددة. وفي الحجيج، تلتقي الواقعات، كتاريخ مكثف، مع نفوس الظامئين الموقنين، في عمرانات محددة، أو في الطرق إليها. وفي لحظة الحج السنوي، لا يقتصر التأثير على النفوس المؤمنة، بل يتعداها، ليتحول الى لحظة متكررة مدهشة بتكرارها، تتصاعد على هيئة سؤال دائم: ما الذي اتى بتلك الملايين، من اقصى الارض، لتعيد تمجيد ومضة، من ومضات التاريخ، وفي نفس المكان والزمان..؟!.
كأنّ واقعة العيد، التالية للحدث، تتقدم كإجابة انسانية. ولكن، لماذا كانت العناية الكبرى، لآية الدعوة الى الحج، القرآنية، بدروب الحج، وبوسائل الوصول إليه: يأتوك رجالا ، أي راجلين، على كل ضامر ، من كل فج عميق ..؟.
وفي الحج المسيحي، تتشابك الدروب، وتنفصل. غير أنها تبقى تدور حول تلك المدينة وجوارها: القدس وبيت لحمها. وفي الدروب وآفاقها، التي هي ذاتها دروب المحاربين، والطامحين لامتلاك هذا الشرق الحزين، تتناثر المدن: القسطنطينية، انطاكية، الاسكندرية. ويبقى العيد ايضاً إجابة متقدمة، للحج المسيحي، الذي يطوف البر والبحر، للوصول الى عمرانه.
وفي ظلال حجيج المسلمين، تأتيك واقعات عمرانهم، وكثافة تاريخهم الاجتماعي والسياسي، على هيئة قباب، مرصعة بذهبهم وحنينهم واشجانهم: كربلاء، النجف، سامراء.
ذات يوم، كلّف المتوكل العباسي، امير المؤمنين، كلدانياً مسيحياً بتشييد مسجد. فدارت الارض، بالمعمار الكلداني، دليل بن يعقوب، وحلّق نحو السماء، فوهب ارض الشرق، ملوية سامراء ، وجعل مئذنتها تدور بعكس الزمن.
في عصر صنعته الحرية، اختلف الحاكم المسلم بانفتاحه، فاختلف المعمار المسيحي ب ابداعه ، عمراناً ينطوي على جمال ما يزال عصياً على التفسير. وظلت ملوية العراق، بجمالها الباذخ، لقرون، تمنح نداء الصلاة معنى مهيباً، لا يتجاوزه إلا سحر العبادة ذاتها. كان ذلك قبل زمن بعيد، قبل ان تتخلى ملوية سامراء عن رمزيتها الدينية.
واليوم، في دوائر الشرق، التي تلتهم فيها القباب المسافة بين السماء والارض، تتوزع الاحتلالات، في ارضه، كالندم، وبلا ندم..!؟.
ما معنى ان تكون محتلاً؟ ما معنى ان تكون سبياً، وتعيش سبياً؟ وهل انتج الشرق وأديانه مضامين، للعيش اليومي، تحت الاحتلال؟ أم ان الشرق لم يفكر الا في انتصاره؟!.
بحجيج الشرق وأديانه، وبأعياد ناسه، وباحتلالات أرضه، التي توزع خسائرها، على جهاته، بالتساوي: جوع في غزة. نحيب في العراق. قهر في الجولان. حرائق وترويع في خليل الرحمن. سودان يتشظى على مهل. وجنوب لبناني ينزع مسامير لحم عنقودي، من جسده، بكامل صحوه. وعكا، تعير نابليون أسوارها، لتعتذر عن هزيمته أمامها. كل ذلك يحدث في شرق عجيب، وعلى مسمع ومرأى وفعل نخب، ما تزال تراهن، سياسة وفكراً، على الخفة، في كل شيء.
أليس من حق الجموع، في هذا الشرق، أن ترتدي زي مطرانها ، كما فعل مطران القدس هيلاريون كبوتشي ، المبعد منذ عقود، قبل اسابيع. وان تصرخ بأعلى صوتها، كما تشاء: اريد قدسي.. ؟!.
أوليس من حق مطران الشرق، وشيخه، في موسم حجيجه وأعياده، ان يعيدا رداء الحاخام ، الى اصحابه، بعد ألف عام، من تفرنج الخديعة ..؟!.
FAFIEH@YAHOO.COM
الراي