العيد في الأطراف قد يبدو اكثر تجلياً، برغم انها لم تتزين بشكل يدعو للسخرية مثل بعض جسور وانفاق عمان التي شهدت شوراعها المزينة بإنارة زرقاء من الحبال أفجع الحوادث، لكن كثيرا من سكان العاصمة سافروا للخارج، فالعطلة مغرية وطويلة، بيد أن الذاهبين للأطرف كانوا أسرع عودة لعمان من المسافرين خارج الوطن، ليجدوا امام باب الشقة أن موزع الجريدة الإعلانية افتقد غيابهم ووضعها عند العتبة.
الرحلة في العيد إلى جهات الوطن، فيها الكثير من الانطباعات والأسئلة وقليل من المعلومات. فالمسافة بين مدننا ثابتة، حقيقة لا تحتاج إلى إعادة كشف، لكن الذي تغير هو العلاقة معها على حساب علاقة زادت واصبحت أكثر حميمية مع عمان، التي صارت السكنة فيها تشكل فرزا اجتماعيا في نظر من يسمون سكانها "أهل عمان" بقدر ما لا تشكله هي بالنسبة لساكنيها من غنيمة كبيرة، بل ربما ديونا وسلفا.
ما يقوله اهل الريف والمدن الأخرى يشخص الحال، ويعكس نظرة سسيولوجية عن عمان ومن ذلك: "في عمان المدرسة بباب الدار" وفي عمان "لا عناء من اجل جلب الكاز فالمحروقات تصلك كما الماء للبيت". و"في عمان يكثر الدفء وتكثر المقاهي ومعها الحوادث". ومع ذلك ثمة تغيير في الأطراف من جانب تلك النواحي الحياتية لكنه بطيء.
لا سؤال في الريف عن الازمة الاقتصادية، ولا عن انعاكسها على سوق العقار، فالناس قبلها نفضوا جيوبهم للبورصة، لكن الغريب أن ثمة حركة ازهادر في البناء. فيقين الناس ان الاسعار التي تنزل لا تتكرر مرة اخرى.
يسألوك عن تعديل الحكومة، وحين تسألهم انت عن الحكومة لا تجدهم يهتمون بالثقة التي حصلت عليها أو باجراءاتها السليمة، هم ما يزلون يهتمون بالخارجين منها والداخلين إليها، ويبقى اهتماهم بمن يمثلهم في الحكومة على رأس الأسئلة، وسيبقى ذلك ما بقيت الديمقراطية التي افرزت نوابا لهم يمارسون العلاقة مع قواعدهم من باب التذكر والذكرى.
شخصيا، لم استطع ان اقنع أطفالي، بان المستقبل ربما ينتهي بمدينة الكرك والطفيلة ومعان أطرافاً بالنسبة لمدينة جديدة ستنشأ في القطرانة كما يرشح من آراء عن لجنة الأقاليم، ربما تكون القطرانة ملاذا مستقبليا او بديلا لعمان، فالماء وسهول البناء من دون كلفة لتأهيل البنى التحتية وتوسط الموقع على الخارطة محل جذب، لكن أن تُخلق مدينة لتوازي عمان للوسط واربد للشمال، فهذا قتل للقصبات في الكرك والطفيلة ومعان. وهو اشبه بعملية احتلال للتاريخ.
قدرة الناس في الاطراف على تلخيص الوضع السياسي المحلي والاقليمي، ربما تفوق قدرات وزير الخارجية، او تبريرات لوزير الصحة حين يسألون إذا ما حولنا إلى مستشفى حمزة كيف ستقدر عملية الأجر؟ وهم يسألون لماذا تحسن مدخل زيزياء وأُنير ولم يُنر مدخل الكرك؟ وفي أطراف عمان يسائل أهالي المشيرفة عن تأخر إعلان التنظيم لأراضي جنوب وشرق عمان؟.
ترتفع الأسئلة إلى مصاف النقد في الأطراف، لكن أهلها اقدر من أهل عمان على التمسك بالأمل وربما الجسارة في النقد. لا يعنيهم ان تهوي أسعار النفظ أو من هو أمين عمان أو مدير المصفاة أو رئيس منطقة العقبة أو هيئة الأوراق المالية مثلاً، بقدر ما يعنيهم من هو رئيس جامعة مؤتة الجديد، فهم معنيون بالمؤسسات التي تمس واقعهم أكثر.
ناس الاطراف ربما اكثر راحة وأملاً، لكنهم ليسوا الأكثر شعورا بالعدل لتدني الخدمات والعناية من ممثلي الحكومة مقارنة بعمان وهي بحسب الصديق الدكتور بسام الهلول "محل ينتظرون الوعود منه".
Mohannad.almubiadin@alghad.jo
عن يومية الغد