كفالة ما بعد البيع .. وانعدام المصداقية
مالك نصراوين
13-12-2008 12:33 AM
شهد العقدين الاخيرين تطورا هائلا في انتاج الاجهزة الكهربائية المنزلية ، سواء من حيث الكم او النوع ، كما شهدت ايضا هبوطا في اسعارها مقارنة مع ما مضى من عقود ، وقياسا الى دخل المواطنين ، بحيث اصبح استبدالها اكثر اقتصادية وانجع من اصلاحها ، فقبل عشر سنوات مثلا ، حدث عطل في جهاز تلفزيون تطلب اصلاحه مائة دينار ، لكننا الان نستطيع شراء تلفزيون جديد ، واكثر تطورا بنفس المبلغ .
لكن ما نلاحظه مع هذا التوسع في انتاج هذه الاجهزة الكهربائية ، والمنزلية منها بشكل خاص ، هو انخفاض مستوى الجودة ، وانخفاض مستوى مراقبة النوعية Quality Control لدى منتجي هذه الاجهزة ، بحيث لم يعد مستغربا تعطل احدها ، بعد عدة اسابيع من الاستخدام فقط ، وغالبا ما يكون العطل ، ناتجا عن تجميع قطع الجهاز من مصادر مختلفة ومن نوعية سيئة ، فقد مضى العصر الذهبي لاتقان هذه الصناعة ، بعد ان توقفت الدول التي اشتهرت بانتاجها عن صناعتها ، واوكلت هذه المهمة الى مصانع اقيمت في دول اخرى ، تنخفض فيها تكلفة الايدي العاملة ، فانخفضت تبعا لذلك جودة المنتجات ، فمن المستحيل ان تجد اليوم جهاز تلفزيون من صناعة اليابان ، حيث كانت عبارة Made in Japan المدموغة على الجهاز ، هي علامة الجودة العالمية ، وهي شهادة ثقة بجودته .
هذا لا ينفي ابدا وجود صناعات عالمية جيدة ، ونفس الحال للصناعات الوطنية ، التي اثبتت اغلبها جودتها العالية ، لكن المشكلة هو في التوسع الافقي لهذه الصناعات ، بحيث اصبح المواطن يجد خيارات عديدة ، ومن اسماء مشهورة ايضا ، سواء محلية او اجنبية ، ليفاجأ بعض المواطنين بسوء هذه الصناعة بعد الاستخدام ، فيعيش بعد ذلك معاناة "كفالة ما بعد البيع " التي فقدت مصداقيتها مع تجربة الكثير من المواطنين لها ، بل ليجد انها عند البعض ليست الا نصبا واحتيالا ، لاغراء المواطن بشراء المنتج ، ثم تتوالى مبررات التهرب من الصيانة حسب الكفالة ، فلم تعد السمعة ذات اهمية عند المنتج او الوكيل ، فالطلب يتزايد على هذه المنتجات ، واغراء الاسعار احيانا ، يجعل المواطن يغض النظر عن النوعية وعما سمعه من عيوبها .
يختلف الضرر الذي يلحق بالمواطن نتيجة سوء المنتج ، فعندما يحدث العطل في جهاز تلفزيون مثلا ، يكون الضرر معنويا فقط ، اما عندما يحدث العطل في جهاز فريزر او ثلاجة ، فالضرر معنوي ومادي ، فعند حدوث عطل في الفريزر الذي يحوي كل مستلزمات المنزل لاسابيع واشهر قادمة من مختلف الاغذية ، فانها تصبح غير صالحة للاستهلاك وتتلف ، فقد تكون خسارة المواطن معادلة لثمن الفريزر نفسه ، وان استمر تعطل الجهاز لعدم نجاعة الصيانة ، تستمر الخسارة لفترة اطول وتتصاعد قيمتها ، اضافة الى الأذى النفسي والمعنوي ، والذي بدوره يتضاعف ، عندما يكتشف المواطن نصب واحتيال الوكلاء والمنتجين لهذه الاجهزة .
لقد عشت هذه التجربة بنفسي ، عندما اشتريت نهاية العام الماضي فريزر من صنع ايطالي ، وثمنه يعادل تقريبا ضعف ثمن الانواع الاخرى ، وتوهمت انه سيكون من نوع ممتاز ، ثم بدأ يجمع الثلج مع ان مواصفاته عكس ذلك ، المشكلة عندما اتصلت مع الوكيل بالكرك ، ثم المماطلة من الوكيل في عمان ، ولم يحضر احدا منهم الا بعد اسبوعين ، اضطررت خلالها للعودة الى الفريزر القديم ، ويبدو ان من حضر هو السائق ومساعده ، وليس فني الصيانة ، لقد اكتشفت انه يفهم بالفريزرات بمقدار فهم جدتي بعلم الفضاء ، يسأل عن فتح الباب باستمرار، وعن بعده عن الحائط وعن ضعف الكهرباء ، وعن امور تافهة ومن البديهيات ، واكتشفت ، وانا مهندس لي معرفة جيدة بهذه الامور ، انه فقط قادم مع السائق الى محافظات الجنوب لنقل البضاعة للوكلاء ، وان حضوره في وقت متاخر بعد اتمام جولته ، هو فقط لرفع العتب ، طبعا تكرر الامر مرات ومرات ، وتكررت المماطلة في الحضور ، الى ان دامت اشهرا ، والوضع على حاله ، الوكيل في عمان يماطل ولا يحل المشكلة ، وكذلك الوكيل بالكرك ، ولقد سمعت ايضا عن حالات كثيرة مشابهة ، اختلفت تفاصيلها ونهاياتها .
انني هنا اطالب وزارة الصناعة والتجارة ، ودائرة المواصفات والمقاييس ، ان تتدخل في مثل هذه الامور ، فمن غير المعقول ان تحال مئات الحالات المشابهة او اكثر الى القضاء ، ويستمر الضرر على المواطن بانتظار الفصل فيها ، لا بد ان يكون هناك دائرة معينة تتابع شكاوي المواطنين ، او على الاقل تاخذها بعين الاعتبار عند الموافقة على استيراد المنتج ، الذي تتكرر الشكوى حوله .
m_nasrawin@yahoo.com