خلائق كثيرة تمارس الصوم حسب معتقداتها بالامتناع عن الطعام والشراب كليّا أو جزئيّا تضرّعا لله تعالى. حينما يضعف الأنسان من جوع وعطش, يرهف حسّة وتتسامى خصاله ويرقّ طبعه ويزداد حنوّا على أهل بيته وكلّ محتاج.
رمضان شهر الصوم, شهرالخير,ضيف يزورنا مرّة في كلّ عام. البعض(شبهة صائم) يمتنع فقط عن الأكل والشرب,يبدأ يومه مقطّب الجبين جاحظ العينين مزموم الشفتين متثمّن الحاجبين, يدفعه فراشه دفعا للخلاص منه, تأنف مرآته من مواجهته فتشيح بوجهها عنه. في رمضان تصفّد الشياطين,لكن هو يطلق شياطينه. في الطريق,لا يترك مركبة ولا سائقاً الّا شتمه,يملأ رذاذ فمه زجاج مركبته ينعمي ضوّه يدخل في مركبة أمامه اومعرّش بطيخ. يبادر من صدمه تحجّجا وافتعالا للأيمان ب...انّي صائم. يقسم أغلظ الأيمان بأنّ المصدوم هو السّبب في الحادث ولو كان ينزّ يتخبّط في دماءئه. في مكان عمله يدخل محمّل حاله والخلق جميلا لأنّه(صائم) سيعمّ الكون السلام وتنزل الرّحمات على العباد ويعمّ الخير وتنتصر الأمّة بثواب صيامه, من الأولياء الصالحين حضرته. يزداد صدره انتفاخا بالضيق. قنبلة موقوته مليئة بمنكر الألفاظ, يصرخ ويشتم يفتعل خناقة مع كلّ ذبابة تمر بحذائه, يتأفّف خمسمائة أفّ بالساعة..يبدأ عمله بالبسملة و السّبحة في يده بأخراج التالف من محصول العقد الفائت, يزوّر الصلاحيّة يرفع الأسعار بلا مخافة من الله أو وخز من ضمير, قبل المدفع بدقائق ينطلق(أنّه..صائم)بمركبته بصاروخه يزاحم العباد منتهكا كلّ أشارة حمراء مطلقا العنان لبوقه مع شتائم من العيار الثّقيل ليلحق موعد الأفطار فالأفطار في موعده يضاعف الأجر. يدخل منزله,يعلّق تكشيرة ماركة(مستقرف) لزوم الهيبة,يبادر بالزعيق: شو طابخه يا(مره)تعدّد له المسكينة قائمة طويلة بالأصناف,لا يكتفي ب(المنيو) ينفجر كملسوع من تنّين. يقذف المواعين يقلب الطاولة يفتك بالأولاد وقد يدزّ أم العيال الى أهلها(حردانه)يا ولداه. بعد أن يدكّ معدته الحزينة الصابرة دكّا دكّا حتى يفيض ما بها ليتعدي سقف حلقه,تمتلئ حواصله ترتخي مفاصله ولكنّه يجد متّسعا وبالأكراه لأرطال من كنافة أو قطايف و...يتلوّى يصرخ ك(أكزوزت)مثقوب. يعتلونه كشوال تبن لينقلونه الى أقرب مشفى وهو يكاد يلفظ أنفاسه الأخيرة. يعود للحياة فجأة: أفتحوا التلفاز,يبقى مردوعا مرزوعاً لساعات الفجر يتنقّل بين مسلسلات (الكوم)كحزم الفجل,ساذجة سخيفة يزدردها بعقل بعوضة على جسد فيل. موسم كريم لا يحترمون به عقل أنسان تهبيل جلا جلا,تنفيق الكاسد الرّديء وكلّ ما تمجّه النفس ألّا ما ندر.يقهقه ينسجم مع السطحيّة يقفز يتقافز,يشهق يشخر كبالون منفوخ مثقوب مع كلّ نكته بايخة أ و تأوّه رخيص مبتذل من أشباه ممثّلين. ينتقل الى كمّ هائل من برامج مسابقات غليظة باسئلة ساذجة على نسق: ما لون(البطّيخة)؟! تكبّ جوائزها على مشاهدين يتسوّلونهم ويغشّشونهم الأجوبة. يحرق ويمجّ صندوق سجائره الثاني يسعد بعدّ أعقابه,يرمّي الفستق والجوز واللوز. لن ينسى و بعد سحور مستمر وعرض متواصل من نكد وغمّ أن يقوم للدعاء والعبادة في أوقاتها وفي أول صف. كلّ شيء بحسابه.اللّهمّ...انّه صائم.يتمّ يومه ينام,قد يفيق أو...لا يفيق!!
في كلّ موسم و من باب رفع العتب يخرج الرسميّون بأعلى مستوياتهم بنداءات تقطع نياط القلب يوقظون بها النائمين وينبّهون الغافلين بأن(حيّ على الطّعام)يطمئنوننا(مهموكون)بأنّ مستودعاتهم مليئة بالمواد الغذائيّة.هم بهذا يشجّعون على الركون والأفراط.يبشّروننا وسط بلاوينا والظروف الضاغطة من حولنا والرّفع ثمّ الرّفع ثمّ...الرّفع لمستلزمات أساسيّة بأنّ سعر(كيلو القطايف بدينار)خبر مصيري ينتظره العباد كلّ صينيته بيميناه يدعو بدوام التموين والمواصفات والمقاييس والسادة الفرانين والعجّانين والخبّازين. وسنبادر وكدأبنا,من باب المناكفة والأنانيّة الى غزو جراد والعياذ بالله لكلّ ما يؤكل ويشرب.
أليس من الأولى تشريب اطفالنا في منازلنا و مدارسهم ومرافق الأعلام آداب الصّيام ولياقة التّسوّق وخطورة الأسراف على المرء و...الأمّة؟!.سؤال يتردّد كلّ عام,كلّ عام.كلّ عام وأنتم بخير و...رمضان كريم.
الرأي