أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن نيته إطلاق مبادرة للسلام بين الفلسطينيين والإسرائلييين تكون على شكل صفقة بشأن قضايا الحل النهائي، وأن تكون المفاوضات بشأن تلك القضايا ذات سقف زمني محدد تنتهي بانتهائه على أن تعالج كل قضية على حدة دون ربطها بالقضايا الأخرى (قضايا الوضع النهائي تشمل القدس والحدود والأمن والمستوطنات ومصيرها واللاجئين).
خلال لقائه مع الرئيس عباس لم يتحدث ترامب عن حل الدولتين ولم يوضح موقفه من المستوطنات ولا موقفه من استمرار الاستيطان، كما لم يذكر أية تفاصيل عن تصوراته لشكل الصفقة الشاملة التي يريدها، لكنه في مقابل ذلك وفي ختام الاجتماع تحدث ترامب عن دعم اقتصادي للسلطة وللاقتصاد الفلسطيني وأشار بارتياح إلى انضمام الرئيس عباس إلى التحالف الدولي الذي يحارب الإرهاب والتطرف.
الصورة حول "سلام ترامب" بدت واضحة أكثر بعد خطابه الذي ألقاه في متحف إسرائيل قبل ساعة من مغادرته تل أبيب إلى روما، ففي ذلك الخطاب حدد ترامب الخطوط الأساسية لأية تسوية يمكن أن يدعمها.
يقول المحلل السياسي في "يديعوت أحرنوت" رون بن يشاي أن خطاب ترامب حمل ثلاث رسائل: الأولى، أن إسرائيل هي الحليفة الأقرب إلى الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، والثانية، أن إسرائيل ليست المشكلة بل بمعانٍ كثيرة هي الحل لمشكلات الشرق الأوسط، والرسالة الثالثة، أن الولايات المتحدة لا تنوي بأي شكل من الأشكال التعامل مع طرفي النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني بصورة متساوية- وهي تفضل علانية مصلحة دولة إسرائيل.
ووفق هذه الرسائل أو لنقل القواعد تصبح صفقة ترامب المنتظرة لها عنوان واحد ووحيد هو إنهاء الحق الفلسطيني بصورة كاملة وتكريس الحالة الفلسطينية كحالة تابعة لإسرائيل لا تملك إمكانية "النمو الوطني" والإجهاز على ملامح الهوية الوطنية للشعب الفلسطيني من خلال تكريس اعتمادها على إسرائيل عبر حكم ذاتي محدود أو إدارة مدنية تتشارك مع سلطة الحكم الذاتي.
إقدام الرئيس ترامب على إعلان بدء التفاوض على الصفقة المحتملة (وهذا الإعلان سيكون في غضون شهرين على أبعد تقدير ) سيشكل مأزقاً حقيقياً للرئيس عباس، فهو لا يستطيع رفض مبادرة للرئيس الأمريكي الذي رحب به في البيت الأبيض واعتبره شريكاً في مكافحة الإرهاب والتطرف وصنع السلام، فهذه الشراكة أعطته شرعية سياسية لدى الإدارة الأمريكية كان على وشك أن يفقدها لولا الجهود الأردنية – المصرية التي بُذلت لدى إدارة ترامب من أجل إلغاء الحظر على التعامل مع عباس، وهي الجهود التي كان هدفها الأساسي ليس منح عباس شرعية سياسية لدى واشنطن بقدر ما كان الهدف منها إعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية باعتبارها القضية المركزية.
وفي المقابل، فإن الرئيس عباس لا يستطيع قبول الرؤية التي قدمها ترامب في خطاب المتحف الإسرائيلي، لأن قبول مثل تلك الرؤية سيضعه في مواجهة الشارع الفلسطيني والعربي وسيجهز على ما تبقى من شرعية له.
والسؤال المطروح حالياً كيف سيتصرف عباس حيال هذا المأزق؟
إن أفضل الخيارات لدى الرئيس الفلسطيني هو تكريس الشراكة الأمنية مع واشنطن وإسرائيل واستثمارها في الحصول على دعم اقتصادي للسلطة وإبقاء الوضع القائم على ما هو عليه، والعمل على إقناع واشنطن وتل أبيب بإعطائه هامشاً من الحرية في نقد ورفض مبادرة ترامب في حال طرحها لكي يحافظ على مصداقيته في الشارع الفلسطيني.
24: