لقد جذب انتباه الجمهور الأردني والعربي «برنامج مقرئ الأردن» الذي كان يظهر على شاشة التلفزيون الأردني في شهر رمضان على مدار سبعة أعوامٍ متتاليةٍ، وقد تميّز هذا البرنامج بحسن الاعداد وجمال الإخراج، وجودة المضمون وعظيم الأثر، حيث أن البرنامج استطاع أن يبرز لنا مجموعة من الأصوات الجميلة التي تتقن القراءة وتراعي الأسس والأحكام المطلوبة للتلاوة، وفقاً للقواعد المحكمة التي كانت منضبطة من لجنة تحكيم مختصة وعلى درجة عالية من الحرفية والاتقان، وأصبح هذا البرنامج جاذباً للكفاءات المتميزة على صعيد الأردن والدول العربية، وأصبح له شهرة متنامية، وأضحى لدينا أمل بإعادة انتاج مقرئين جدد على مستوى العالم، وإعادة سيرة أولئك النفر من المقرئين الأوائل الذين حفروا عميقاً في ذاكرة الشعوب العربية على مستوى المنطقة والعالم كله؛ مثل الشيخ عبد الباسط، والشيخ محمد صديق المنشاوي، والشيخ مصطفى اسماعيل، والشيخ محمد رفعت والشيخ محمود الحصري رحمهم الله جميعاً، هؤلاء الذين كانوا يعطرون الأجواء ويبعثون في النفس الطمأنينة والراحة، وينشرون الجمال في الكون بحسن أصواتهم الندية وأدائهم المذهل والذين شكلوا ظاهرة عالمية متميزة يعرفها القاصي والداني من المسلمين وغير المسلمين.
لقد كانت المفاجأة غير السارة بتغييب برنامج «مقرئ الأردن « عن الدورة البرامجية الرمضانية للتلفزيون الأردني هذا العام، رغم أن الذين يشرفون على هذا البرنامج قد أعدوا أنفسهم وقاموا بجهود كبيرة ومضنية في جمع المتنافسين وإجراء التصفيات المبدأية قبل رمضان، حيث أن الإعداد لهذا البرنامج يأخذ وقتاً طويلاً ويستهلك جهوداً كبيرة ونفقات عديدة، ولكن كان هناك إصرار بابعاد هذا البرنامج الناجح والمتميز بشكل غير مقبول، حيث أن هذا البرنامج استطاع الحصول على عدة جوائز محلية؛ لكونه من أفضل برامج المسابقات الدينية، كما أنه استطاع الحصول على شهادة تقدير عربية وإشادة متميزة من الإعلامي الشهير «أحمد الشقيري»، كما أن الجهة المنتجة لهذا البرنامج استطاعت الحصول على الجائزة الذهبية على مستوى العالم العربي في مهرجان الإعلام العربي، متقدمة بذلك عن مؤسسة روتانا الخليجية المعروفة.
لقد كان البرنامج مفخرة حقيقية للتلفزيون الأردني وللأردنيين جميعاً، وكنا نود أن يحظى هذا البرنامج بمزيد من الرعاية والتطوير والتحديث والتحسين، من أجل الإسهام في تهيئة البيئة المناسبة القادرة على إبراز الأصوات الجميلة والشخصيات الكفؤة القادرة على المنافسة على مستوى العالم ،لان هذا البرنامج الناجح يرفع من رصيد التلفزيون الأردني، ويزيد من مكانته الإعلامية وليس العكس، من خلال الإصرار على انتقاء البرامج الناجحة والهادفة في الوقت نفسه والتي تخاطب شريحة واسعة من الجمهور الأردني والعربي والإسلامي.
لم أستطع أن أقف على مبررات معقولة ومنطقية لإبعاد هذا البرنامج عن الدورة الرمضانية لهذا العام، خاصة إذا علمنا أن هذا البرنامج يخلو من المضامين السياسية بكل اتجاهاتها، ولا يمت إلى حقل التطرف والعنف بصلة لا من قريب ولا من بعيد، بل على النقيض من ذلك، فإن هذا البرنامج يدعو في المحصلة إلى إعادة تمسك الجيل بالقرآن بطريقة ظاهرة ونقية بعيدة كل البعد عن الاستثمار الحزبي والطائفي والفئوي، لأن القرآن الكريم يشكل المصدر الرئيس لقيمنا النبيلة، وهويتنا الحضارية وثقافتنا الأصيلة، ولغتنا العربية الفصيحة، حيث أننا بأشد الحاجة في مثل هذه الأوقات إلى تقويم ألسنتنا وحفظ لغتنا وصيانة منظومة قيمنا الثابتة، التي تتعرض للإهمال والنسيان والضعف والسطو والهيمنة من اللغات الأجنبية والثقافات الوافدة في ظل الاستلاب الحضاري المرعب الذي تتعرض له الأمة.
نحن نود جذب انتباه أصحاب المسؤولية والقرار، وكل من له علاقة بمؤسسة التلفزيون الأردني، من أجل أن يعيدوا النظر في هذه المسألة بطريقة حكيمة ولبقة، وأن يعيدوا هذا البرنامج الرصين المحبوب إلى شاشة التلفزيون الرمضانية.
الدستور