تيار العولمة وشبح الإرهاب
د. صبري ربيحات
26-05-2017 01:58 AM
منذ نهايات القرن التاسع عشر وخلال القرن العشرين، كان هاجس العديد من بلدان العالم الواقعة تحت احتلال وسيطرة ونفوذ القوى العظمى التحرر من الاستعمار وامتلاك قرارها لبدء رحلة النهوض والتقدم في عالم متنوع تسوده المنافسة والعدل والسلام والفرص المتكافئة. بعض الدول تمكنت من استثمار الفرصة في بناء نظام سياسي عصري وتحقيق مكانة اقتصادية مرموقة، فنالت تقدير الأمم ورضا الشعوب واحترامها، في حين تعثرت أخرى في توظيف التحرر لبناء دولة حديثة يحكمها العدل ويسودها القانون ويعمل فيها الجميع على خدمة الأمة ورفعة شأنها.
تأخر الدول في الاستجابة لحقوق ومتطلبات مواطنيها والتردد في بناء انظمتها وتطويرها، والتباطؤ في بلورة هويتها ورؤيتها.. عوامل اساسية في هشاشة نظمها وتدني مستوى استقرارها. الشعوب التي لا تشارك في بناء مجتمعاتها وصناعة قراراتها شعوب قلقة فاقدة للثقة ينتابها الشك بجميع الاجراءات المتخذة وشعور دائم بالتهديد وتتملكها الرغبة للرفض والعصيان ومقاومة التغيير.
في العديد من البلدان الاسلامية التي حرمت من التنمية والمشاركة تولدت العديد من الجماعات والحركات التي تبنت مناهج وأفكارا تدعو الى الاصلاح بالعودة الى الماضي من خلال احياء نماذج دينية او قومية. في وجه هذه التحولات كانت استجابات النخب والطبقات الحاكمة مقصورة على كيفية احتواء وتفتيت هذه التيارات اكثر من تنميتها واستيعابها ضمن منظومة حزبية تتنافس برامجيا وتتفاعل مع احتياجات وآمال ومتطلبات القواعد الشعبية.
في التاريخ الإنساني عرف الإرهاب والتفجيرات الانتحارية في روسيا منذ نهايات القرن التاسع عشر وفي اليابان خلال الحرب العالمية الثانية وفي سيرلانكا خلال ثمانينيات القرن الماضي، لكنه أصبح العلامة المسجلة للجماعات التي ترفع شعار الإسلام منذ العام 1983، وتحول إلى ممارسات شبه يومية في كل من العراق وافغانستان وسورية ومصر وليبيا وباكستان.
اليوم ما أن يأتي أحد على ذكر الشرق الاوسط او الاسلام حتى تتولد في نفس السامع مشاعر من الخوف والقلق وشيء من الاحساس بالخطر، فقد كانت المنطقة وأهلها مسارح وأدوات منفذة لأكثر من 5 آلاف حادث ارهابي خلال العقود الثلاثة الماضية. العرب والمسلمون الذين عرفوا بسماحتهم وانفتاحهم وعدلهم أصبحوا اليوم مصدرا من مصادر الخوف والقلق للإنسانية، فلماذا يحدث ذلك؟
من بين كل الأحداث التي سجلها التاريخ كانت العولمة أكثرها شمولا وتأثيرا على شعوب الأرض وثقافاتها، حيث استقبلها البعض بشيء من التفاؤل في حين نظر إليها الآخرون بشيء من الريبة والتوجس، ومع ذلك فقد انخرطت معظم شعوب الارض في اتفاقياتها وأنظمتها وبروتوكولاتها وانشطتها، وحاول الجميع ان يجري بعض التعديلات على البنى والسياسات والقوانين الوطنية لتكون اكثر تقبلا وانسجاما مع الرؤية والأهداف التي تسعى لتحقيقها العولمة.
في الوقت الذي لم تجد الكيانات الرأسمالية ما يمنع أو يحول دون الانخراط في النظام العالمي المستند الى قيمها ومذاهبها وايديولوجياتها ونظمها وتطلعاتها، وجدت الكثير من الشعوب والثقافات صعوبات كبيرة في إحداث التحول والتنازل عن قيمها وتقاليدها وأفكارها وطرق حياتها لحساب النظام الاقتصادي الأمني الثقافي التكنولوجي الجديد، ما ولد حالة من الشك والريبة والحذر الممزوج بالخوف من احتمالية فقدان المجتمعات لترابطها والثقافة لقيمها والأمة لهويتها وخصوصيتها.
في العديد من بلدان العالم الحر استقبلت اتفاقيات التجارة وتشريعات رفع الحماية عن المنتجات الوطنية والغزو التجاري وتغيير المناهج بالمظاهرات والاعتصامات، وكنتيجة لذلك حاولت الشعوب التعبير عن رفضها من خلال ظهور تيارات وأحزاب وجمعيات يمينية وجماعات متطرفة وقوى رافضة تعبر عن مواقفها وأفكارها بأشكال مختلفة.
بعض الجماعات والتيارات والمذاهب والقوى التقليدية اختارت التعبير عن مناهضتها ومعاداتها للعولمة والتغير والظلم وتعثر التنمية من خلال وسائل واساليب تدميرية غير تقليدية. في العالم اليوم تحولات وأحلاف جديدة للوقوف في وجه التطرف والإرهاب.. الكثير من المحاولات الدولية والاقليمية للوقوف في وجه الارهاب والتطرف تركز على المظاهر والاعراض وتتناسى العوامل والاسباب التي اسهمت في ظهوره وتناميه. من الصعب لأي جهود النجاح بدون خطط واستراتيجيات تتناول العوامل البنائية وتعي السياق التاريخي والانماط المشتركة لتجربة الافراد والجماعات المتورطة في الإرهاب.. وتحليلها.
الغد