لا احد في هذا العالم يستطيع ان يجرد شعبا محتلا من حقه في المقاومة حتى استرداد كامل ترابه الوطني، ومن يوصم بالإرهاب هو الاحتلال نفسه، وليست المقاومة الناجمة عنه، وكل الأمم الحرة كانت تقاتل في سبيل تحرير ارضها المحتلة، وعلى هذا جرى مدار التاريخ البشري حيث كانت الأمم تصنع قيمها الوطنية على وحي من تضحيات أبنائها، واجيالها، وصنعت ابطالها واساطير التضحية والفداء فيها صورتها الوطنية العامة، وراحت تقدس ثراها الوطني. وقد ارتبط بوعي اجيالها رموز المقاومة فيها، وايامها المجيدة في ساحات المعارك ارتبطت بالذاكرة الوطنية ، وتم ترجمة ذلك في اعيادها الوطنية، وفي نشيدها الوطني، وتحولت المقاومات بعد التحرير الى قوى سياسية تقود بلدانها الى الرفعة والسمو والرقي. وما كان يبعث على العار في مسيرة الأمم هو الاستسلام للعدو وتمكينه من الأرض والثروات، والخضوع له والاستكانة لوجوده.
وهذا ما جرى عليه الحال في مجمل التاريخ البشري، وليس محصورا في الامة العربية التي تم فرض واقع الهزيمة والتجزئة عليها لعقود خلت، و يتم أخيرا تزييف وعيها كي توصم اخر معاقل مقاومتها بالاهارب. فكل الأمم قاتلت الاحتلال حتى خروج الأجنبي، ولا يوجد في الوعي البشري ما يبرر تحصين الاحتلال، او يجرم مقاومته التي تظل مصدر فخر، واعتزاز ، وتسجل ايامها المجيدة في تاريخ الأمم والشعوب.
والرئيس الأمريكي ترامب لا اظنه يجهل ذلك وربما انه يعرف التاريخ الأمريكي جيدا، وتاريخ أوروبا، وكثيرا من دول العالم ، وما دار بين المحتل والشعوب المقاومة حتى اندحرت الاحتلالات وحققت الأمم والشعوب حرياتها وكونت أنظمتها السياسية الوطنية. وهو يمارس نوعا من الاستغباء للذاكرة الجمعية العربية، او ربما ينظر للمنطقة العربية بمعيار الكراهية المتكرس في ذاته وهو يلحق البقية الباقية من مقاومتها بدائرة الإرهاب، وكأنه يهين تاريخ هذه الامة التي احبها التاريخ، ويعتدي على الوعي العام فيها، ويحاول خلط وبعثرة الأوراق في سياق الحالة العامة المتردية اليوم في المنطقة العربية، ويقفز عن جوهر اعدل قضية في العالم حيث ما يزال الشعب الفلسطيني يعاني في الداخل من دموية الاحتلال، وفي المنافي والشتات تؤرقه ازمة الهوية، وضياع الوطن.
وهذا الرئيس الأمريكي يقفز عن العذابات التاريخية للشعب الفلسطيني الذي تعرض للاجتثاث والابادة، والاستبدال، وتم سرقة وطنه وبدلا من ادانة الاحتلال يأتي بكل صفاقة ليعلن على أشلاء هذه الامة المحطمة ان مقاومة المحتل عمل من اعمال الإرهاب، وقد تم توفير منصة عربية له للاسف ليطعن العرب في عروبتهم وفي عقيدتهم.
نحن لن نلقي بالا لهذا التخريص الأمريكي الذي جاء على لسان الرئيس الأمريكي ترامب فامريكا لم تكن في يوم من الايام منحازة لقضايانا العادلة، وتصدت على الدوام لابسط حقوق الشعب الفلسطيني كي تسقطها، ودمرت دولنا الوطنية من خلف المشهد، وليست لجراحاتنا والامنا أي اثر او معنى في الوجدان الأمريكي، ونحن بدورنا لن نزور تاريخنا ولن نخون تضحيات اجيالنا وسيبقى الشهداء يوجهون بوصلة الوعي فينا، وعلى نظم عربية ان تدرك خطورة التسابق مع هذا الطرح الأمريكي الكارثي والا ستجد نفسها في مواجهة مفتوحة مع الانسان العربي المتمسك بقيمه ومبادئه العربية والإسلامية.
*الكاتب نائب سابق.