«كانت تمتلئ بالكروم .كنا نذهب اليها مشياً، نلقط العنب ونعود الى يافا».»والله يا ستي ما كان فيه ولا بيت» كانت جدتي تقول حين اسألها عن تل ابيب .»اسمها تل الربيع يا ستي مش تل ابيب وما كان فيها ولا يهودي». جدتي التي توفيت على حافة المائة سنة كانت تحكي عن العشرينيات والثلاثينيات من القرن الماضي .
تذكرت كلامها وانا اتابع استقبال الرئيس ترمب في مطار اللد الذي يسميه المحتلون مطار بن غوريون .اللد مدينة فلسطينية من عنقود المدن التي عصرها الصهاينة العام 1948 شأنها شأن الرملة وحيفا وعكا ويافا ومئات القرى المحيطة بها فسال دم الضحايا ليكتب ابشع المجازر في التاريخ . أما بن غوريون فهو زعيم احدى العصابات التي شكلتها الحركة الصهيونية مثل شتيرن والهاغاناة والاراغون والبالماخ .وقد ارتكبت تلك العصابات ابشع مذابح القرن قبل اعلان دولة الكيان الاسرائيلي :مذبحة بلدة الشيخ (600 شهيد)، مذبحة دير ياسين(360)، قرية ابو شوشة (90) ، قبية (200)، كفر قاسم (49)، الدوايمة (700)، الطنطورة (90)، عدا عن المذابح التي ارتكبها الصهاينة بعد 1948 كمذبحة خانيونس والخليل وجنين و..تلك التي لم يُكشف عنها بعد.
وما الذي دفعكم للخروج من بلدتكم يا ستي؟ كنت اسألها .تجيب جارتها ورفيقة هجرتها:
‹›››››››في ذاك اليوم كنا آمنين في بيوتنا، فجأة جاء نبأ استشهاد امرأتين من وادي الحوارث قتلهما اليهود بإطلاق الرصاص، ومنذ نبأ استشهاد المرأتين ساد الخوف بين الناس وبدأت الأنباء تتناقل من بيت لآخر، إذ إن بطش العصابات الصهيونية كان قاسيا ودون رحمة. ثم ازداد القتل والقمع، وصار بعض الناس يشرد إلى القرى المجاورة بحثا عن مأوى آمن، ومن ثم توجهوا إلى الأراضي المفتوحة فيما هجر البعض الآخر إلى الدول العربية المجاورة.تتذكر جدتي «قالوا لنا انهم في قبية كانوا يقتلون الرجال ويخرجون الجنين من بطن امه ويبشعون بها ويصيحون «اقتل عرابيم»!
وعن تلك الأيام الصعبة، قالت جارتها: ‹›››››››والد زوجي خاف علينا وقال إنه من الأفضل أن نخرج كما خرج أهل القرية حتى تهدأ الأوضاع وتستقر، لم نأخذ شيئًا معنا، كنا على يقين أننا سوف نرجع إلى القرية يوما ما. وصلنا منطقة تسمى خربة ‹›››››››المهادوة››››››››. مكثنا هناك 5 أيام حتى جاءت العصابات الصهيونية إلى المختار وسألوه ما إذا كان يملك وأهل القرية سلاحا، رد المختار بأنه يملك سلاحا، لكنه رفض أن يريهم إياه كما طلبوا. وفي حوالي الساعة الثانية ليلا في اليوم ذاته اجتاحت العصابات الصهيونية الخربة مرة أخرى، أخرجونا من بيوتنا واحدا تلو الآخر وأوقفوا النساء والرجال وكل أهالي القرية الذين احتجزوهم في ذلك الحين، وبدأوا بإطلاق النار من الرشاشات حتى سالت الدماء أمام أعيننا، نطقت بالشهادة في تلك الأثناء لأنني لم أتوقع أن أنجو وأبقى على قيد الحياة، الجثث كانت مكدسة فوق بعضها البعض، لن أنسى هذا المشهد أبدا.
بالمقياس الانساني والعالمي فان ذاك اليوم اطول يوم في التاريخ .المأساة الفلسطينية متواصلة والبرتقالة التي سقطت من البيارات ما زالت تتدحرج.
ترمب كان مرتبكا في مراسم الاستقبال بمطار اللد وكان واضحا عدم ارتياحه لنتنياهو. سارة نتنياهو تتراقص كسالومي .نتنياهو كان يكذب ويكذب ويكذب .لنأمل ان يتخذ الرئيس الاميركي قراراً يوقف الغطرسة الاسرائيلية .نقول نأمل فالرجل عملي غير منبهر بالأساطير التوراتية .وليذهب الى الجحيم أمل نتنياهو بأن يستقل طائرته من مطار اللد الى الرياض !
الدستور